الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المال والنفوذ زينة الإنتخابات

بواسطة azzaman

المال والنفوذ زينة الإنتخابات

كامل كريم الدليمي

 

بعد أيام قليلة، يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس النواب الجديد. مشهد يتكرر كل بضع سنوات، لكنه لا يخلو أبدًا من الطقوس ذاتها: المهرجانات الصاخبة، اللافتات العملاقة، الأناشيد التي تمجّد الزعماء، والشعارات التي تُعيد تدوير الوعود القديمة بلغةٍ جديدة.

انتخابات يُفترض أن تكون موسمًا للديمقراطية، فإذا بها تتحوّل إلى موسمٍ للاستعراض، تتداخل فيه السياسة مع المال، والنفوذ مع الولاء، والقصيدة مع المصلحة.

في هذه الأيام، يتسابق قادة الكتل السياسية على إقامة مهرجانات انتخابية تكاد تصلح لأن تكون احتفالًا باليوم الوطني العراقي، لما فيها من بهرجٍ وأضواءٍ وخطبٍ حماسية.

ترى المنصات تتزيّن بصور الزعماء، وتتعالى الأصوات بالأناشيد التي تفيض بالمديح، وكأننا أمام احتفالٍ لتجديد الولاء لا لاختيار ممثلين للشعب.

حتى “المهوال” الشعبي أصبح جزءًا من المعركة الانتخابية، يتفنن في صياغة المدائح بحسب حجم المبلغ المدفوع، فيتحوّل الشعر إلى سلعةٍ تُشترى، والكلمة إلى صفقةٍ تُقاس قيمتها بعدد الصفر في نهاية المبلغ.

ولا يخلو كل مؤتمرٍ انتخابي من “مفاجأةٍ” جديدة، فبدل أن تكون المنصات ساحة عرض للبرامج والرؤى، تتحوّل إلى ميادين لتبادل الشتائم والاتهامات.

يتبارى بعض المرشحين في توجيه الكلمات الجارحة لبعضهم البعض، مستخدمين لغة لا مكان لها في القواميس السياسية، بل ولا تليق حتى بالحديث الاعتيادي بين الناس.

صوت العقل

تُختزل المنافسة الانتخابية في “من يهاجم أكثر”، و”من يملك جمهورًا أكثر صخبًا”، و”من يستطيع أن يُغدق مالًا أكثر”، فيما يغيب صوت العقل والبرامج والرؤية عن المشهد تمامًا.

الانتخابات هذه المرة  مختلفة عن سابقاتها في الشكل فقط، لا في الجوهر.

فهي الأكثر بريقًا من حيث المال المنفق، والنفوذ المستخدم، والقصائد التي تُكتب في مديح القادة، لكنها الأقل مضمونًا من حيث الفكر والمحتوى.

فلا برامج واضحة، ولا خطط لبناء وطن، ولا رؤية لمستقبلٍ يُنهي دوامة الفقر والبطالة والفساد.

المال هو اللاعب الأول، والنفوذ هو الحكم، والمواطن هو المتفرج الذي يُطلب منه التصفيق في الوقت المناسب.

لقد تحوّلت الانتخابات، في بعض الأحيان، إلى سباقٍ على من يمتلك المال لا من يمتلك الفكرة، وعلى من يُجيد الخطابة لا من يُجيد العمل.

وفي ظل غياب البرامج الجادة، يصبح المواطن بين خيارين أحلاهما مُرّ: إما أن يختار بناءً على الولاء، أو أن يُقاطع بعدما فقد الأمل في التغيير.

وهكذا يبقى المشهد الانتخابي يدور في دائرةٍ مغلقة، عنوانها المال والنفوذ، ومضمونها تكرار الوجوه ذاتها بأسماء مختلفة.

إن الديمقراطية ليست في عدد المؤتمرات ولا في حجم اللافتات ولا في طول القصائد، بل في صدق البرامج ووضوح الرؤى واحترام وعي الناخب.

فإذا تحوّلت الانتخابات إلى سوقٍ للمنافع، ومهرجانٍ للمديح، ومسابقةٍ في الإنفاق، فإنها تفقد معناها الأصيل وتتحول إلى مسرحٍ يُدار بالمال لا بالإرادة الشعبية.

الانتخابات ليست زينة، ولا مناسبة للاحتفال بالقادة، بل لحظة لمحاسبتهم.

فالديمقراطية الحقيقية لا تزدهر بالتصفيق، بل بالمساءلة؛ ولا تُقاس بعدد الصور واليافطات، بل بمدى قدرة المرشح على أن يُقدّم مشروع وطن لا عرضًا شخصيًا.

أما حين يغيب البرنامج، وتغيب الرؤية، وتعلو فقط أصوات المديح، عندها يصبح المال والنفوذ بالفعل “زينة الانتخابات”… لكـــــــــــــنها زينة تخفي وراءها فراغًا كبيرًا ،

 

 


مشاهدات 81
الكاتب كامل كريم الدليمي
أضيف 2025/11/05 - 4:20 PM
آخر تحديث 2025/11/06 - 10:01 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 276 الشهر 4050 الكلي 12365553
الوقت الآن
الخميس 2025/11/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير