من الحماس إلى التحدي والحل
ابتسام الخفاجي
لم يكن أحد يتوقع أن يتحول التعليم المهني إلى الوجهة الأولى لآلاف الطلبة خلال فترة قصيرة ، لكن ما حدث يؤكد أن الوعي بدأ يتغيّر، وأن المجتمع بات يدرك قيمة التخصصات التطبيقية ، ومع التحول الكبير ، بدأت التحديات تظهر بوضوح ، مدارس مزدحمة ، كوادر محدودة ، وورش تحتاج إلى تطوير عاجل .
ومع تزايد أعداد الطلبة ، وجدت المدارس المهنية نفسها أمام ضغط كبير على البنى التحتية ، في وقتٍ ما زالت فيه الكوادر التعليمية محدودة ، خصوصًا في التخصصات التقنية الحديثة التي تتطلب مهارات وخبرات دقيقة ، أما الورش، وهي العمود الفقري للتعليم المهني ، فتعاني من نقص واضح في المعدات والأجهزة ، ما يحدّ من فرص الطلبة في التدريب العملي ويجعل الجانب النظري يغلب على التطبيق الفعلي .
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها المديريات لتوزيع الطلبة بعدالة بين المدارس ، إلا أن التحدي الحقيقي يتمثل في إيجاد توازن بين الزيادة في الأعداد وبين الإمكانيات المتوفرة ، كي لا يتحول النجاح في استقطاب الطلبة إلى عبء على المدارس والمدرسين معًا . إن معالجة هذا الوضع تتطلب خطة استراتيجية متكاملة تبدأ من دراسة دقيقة لواقع المدارس المهنية من حيث عدد الطلبة والطاقة الاستيعابية ، وتمر عبر تعيين كوادر جديدة من الاختصاصات التقنية والمهنية لسد النقص الحاصل ، وتطوير مهارات الكوادر الحالية عبر دورات تدريبية متخصصة ، وتفعيل التعاون مع مؤسسات القطاع الخاص لتجهيز الورش ودعم التعليم العملي ، ووضع آلية مركزية لتوزيع الأعداد بما يضمن العدالة بين المدارس دون المساس بجودة التعليم .
إن مستقبل التعليم المهني لا يُقاس فقط بالأعداد المتزايدة من الطلبة ، بل بمدى قدرتنا على تحويل هذه الأعداد إلى طاقات مؤهلة قادرة على دخول سوق العمل بثقة ، ولن يتحقق ذلك إلا بتوفير بيئة تعليمية متكاملة تجمع بين الكادر الكفوء والورش المجهزة والإدارة الداعمة، لأن النهضة الحقيقية تبدأ من الاهتمام بالعقول قبل الأرقام .