الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدولة العميقة في العراق

بواسطة azzaman

الدولة العميقة في العراق

عباس الصباغ

 

لايمكن التحدث عن منظومة الخلل البنيوي  التي تكتنف المشهد السياسي العراقي دون العروج على نظرية  الفوضى الخلاقة التي المّت بهذا المشهد خاصة بعد الاحتلال الامريكي الذي جرى وفق سيناريو  غرضه الاستحواذ على المقدرات الثرواتية والبشرية لهذا البلد وليس من اجل "التحرير " والديمقراطية" و"حقوق الانسان" كما يدعي  لذا لابد من تهيئة الاجواء لتمرير  غايات المحتل ومن جملة الاساليب القذرة  التي اعتمدها المحتل هو الفوضى الخلاقة التي ابتكرها سياسيوه لهذا الغرض وعلى راسهم مستشارة الامن القومي الامريكي (  كوندوليزا رايس ) ومن جملة السلبيات التي اكتنفت المشهد العراقي بشكل  عام تمأسس عمليته السياسية وفق برنامج عرق ـ طائفي ـ قومي ـ مذهبي ـ مناطقي ـ جهوي ـ شخصي ـ عشائري بعيدا عن الهوية الوطنية الجامعة والتي يشترك فيها جميع العراقيين منذ القدم فتحول المشهد السياسي العراقي الى مجاميع متناظرة ومتشابكة لا  يجمعها اي رابط وطني وعلى جميع الصعد سواء العرق طائفية او المذهبية والدينية او المناطقية وصولا الى الشخصية وتحت شعار التقسيم التحاصصي ـ التشاركي الذي ارسي بحجة  استيعاب التناقضات والتمايزات العرق طائفية والمذهبية والقومية والمناطقية  التي يعجّ بها العراق ولكن عاد هذا المنهج بالضرر العكسي على المشهد السياسي العراقي ولم يتحقق المطلوب بهذا  " الاستيعاب " بل حدث العكس من ذلك وصار التنافر والتناشز السمة الغالبة لجميع العراقيين فمن جهة انهم فقدوا الثقة بالعملية  السياسية ، ومن جهة اخرى انهم  فقدوا الثقة بالاواصر المجتمعية والمناطقية فانعدم التلاحم الوطني ومن يلاحظ ماتبثه مواقع التواصل الاجتماعي يدرك الحقيقة المرة فانبثقت من تلك الفوضى المقصودة مجاميع مليشياوية وبمسميات متعددة تارة باسم الوطنية واخرى باسم الدين والمذهب واخرى باسم مقاومة المحتل وتارة تحت ذريعة حماية المكون والكلام ينطبق على الجميع سنة وشيعة  واللافت للنظر ان المحتل الامريكي بعد ان الغى الجيش الوطني وافرغ البلاد من قواها الامنية فتغولت تلك المليشيات وصارت جيوشا توازي جيش الدولة فصار العراق  عبارة عن مكونات متضاربة فيما بينها وجيوش اي تحولت المحاصصة الى رؤوس لاتكتفي بمصادرة القرار  او المشاركة به بل تحولت الى دول داخل دولة اسمها العراق وهي الغاية غير المباشرة للفوضى الخلاقة وهو الاحتلال بالوسائل الناعمة وليس العسكرية او الخشنة  وهو ما حصل بالفعل ويحصل  .

وفي العراق لاتوجد دولة مركزية  واحدة لها قرار ثابت واحد بل توجد منظومة من الدول كل واحدة منها لها هيئات اقتصادية تموّل نشاطها ولها اذرع عسكرية (مليشيات ) تمارس دور الجيش  وتنوب عنه  وتحميها ولها نشاطات خارجية ايضا  فضلا عن المؤسسات الاعلامية من التي تسوّق وتروّج لها وتقوم بمهام التسقيط والمناكفة السياسية للخصوم  واتهامهم بالعمالة والفساد  والتبعية والذيلية وصار الفرد العراقي تائها  وحائرا  بين الدولة الأم  وبين الانتماء  الى شراذم ملشياوية  متقاتلة  ، وتحيط بهم مجاميع "المهاويل " واللوكية ووعاظ السلاطين من كل حدب وصوب فضلا عن اجواق " المحللين" السياسيين  و"الخبراء " الامنيين والاستراتيجيين

 وفي العراق وتحت وصاية المحتل الامريكي لم تكن  هنالك عملية سياسية  بمعناها الاجرائي والوظيفي بل كانت كارتل لعصابات  ادارت شؤون  العراق لما بعد 2003 وباسم الدين والمذهب والمظلومية  والمحرومية التي عفا عنها الزمن مشفوعة بما لايحصى من المليشيات الوقحة وهذا مايفسر بعض المهازل التي يمر بها المشهد العراقي  ومايزال ، ما اعطى صورة عملية واضحة عن  الرثاثة والركاكة  التي عبّر عنها الملكُ المرحوم فيصل الأول بـ"الكتل البشرية" المقادة بالأهواء والرغبات والتمردات وباختصار شديد مايزال العراق يعيش تحت هامش الدولة المدنية  ولم (ولن)  يقترب من متونها ويبقى الخلل البنيوي بسبب الاحتلال الامريكي الذي لم يستقرئ  حيثيات المشهد العراقي بشكل جيد.

 


مشاهدات 59
الكاتب عباس الصباغ
أضيف 2025/08/17 - 2:53 PM
آخر تحديث 2025/08/18 - 8:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 221 الشهر 12623 الكلي 11407709
الوقت الآن
الإثنين 2025/8/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير