الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من أرييل شارون إلى نتنياهو: الطريق نحو إسرائيل الكبرى وتغيير ملامح الشرق الأوسط

بواسطة azzaman

من أرييل شارون إلى نتنياهو: الطريق نحو إسرائيل الكبرى وتغيير ملامح الشرق الأوسط

أحمد العابدي

 

منذ عقود، ظلّت فكرة التوسع راسخة في الذهنية السياسية الإسرائيلية، تتغير تفاصيلها بتغير قادتها، لكنها تحتفظ بجوهر واحد  توسيع النفوذ وإعادة رسم الجغرافيا بما يخدم مشروع الدولة العبرية. في زمن أرييل شارون، كانت الأدوات أكثر عملية وأقل وضوحًا في الخطاب العلني، فقد اعتمد على سياسة فرض الأمر الواقع عبر الاستيطان، وبناء الجدار العازل، وترسيخ السيطرة الأمنية في الأراضي المحتلة.

أما اليوم، في عهد بنيامين نتنياهو، لم يعد الأمر يقتصر على خطوات تدريجية، بل تحوّل إلى إعلان صريح عن "خارطة إسرائيل الكبرى" التي تتجاوز حدود 1967 وحتى مفاهيم التسوية التقليدية. هذه الخارطة ليست مجرد رسم على ورق، بل انعكاس لرؤية سياسية تعتبر أن الظروف الإقليمية المضطربة، والانقسامات العربية، والتحولات الدولية، هي فرصة تاريخية لدفع مشروع التوسع إلى أقصى مداه.

وبين شارون ونتنياهو، يمكن قراءة خط متصل من السياسات، يربط بين ما كان يُدار خلف الكواليس وما يُعلن اليوم على الملأ، في محاولة لصياغة شرق أوسط جديد على المقاس الإسرائيلي.

أرييل شارون، الذي اشتهر بلقب "بلدوزر السياسة الإسرائيلية"، كان يدرك أن التوسع الجغرافي يحتاج إلى خطوات محسوبة، تعتمد على فرض الحقائق على الأرض قبل إعلانها سياسيًا. اعتمد على تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، وربط المستوطنات ببنية تحتية أمنية وعسكرية تجعل من فكرة الانسحاب أمرًا شبه مستحيل، إضافة إلى بناء الجدار العازل الذي غيّر معالم الحدود عمليًا. شارون لم يكن كثير التصريحات حول مشروع "إسرائيل الكبرى"، لكنه كان يعمل على تحقيقه بشكل تدريجي، وبأدوات هادئة لكنها فعّالة.

على عكسه، يأتي بنيامين نتنياهو بأسلوب مختلف، إذ يتعامل مع المشروع التوسعي كجزء من خطابه السياسي الداخلي والخارجي. فخارطة "إسرائيل الكبرى" التي طرحها مؤخرًا ليست مجرد رمز أو فكرة أيديولوجية، بل هي إعلان سياسي مباشر عن حدود يعتبرها هو والنخبة اليمينية في إسرائيل حقًا تاريخيًا ودينيًا. هذا التحول من السرية النسبية في عهد شارون إلى العلنية الصريحة في عهد نتنياهو يعكس تغيرًا في الحسابات السياسية الإسرائيلية، حيث باتت الحكومة ترى أن اللحظة الإقليمية والدولية مواتية للانتقال من "التوسع الصامت" إلى "التوسع المعلن".

اعلان نتنياهو عن خارطة "إسرائيل الكبرى" لم يأتِ في فراغ سياسي أو جغرافي، بل في لحظة يراها هو واليمين الإسرائيلي مثالية للمضي قدمًا في مشروعهم التوسعي. فالمشهد الدولي اليوم يتسم بضعف واضح في فاعلية المنظمات الدولية، التي باتت عاجزة عن فرض أي التزامات قانونية على إسرائيل، رغم تكرار الانتهاكات. ومجلس الأمن، الذي يُفترض أن يكون الضامن الأول للسلم والأمن الدوليين، تحوّل إلى ساحة مشلولة بسبب سلاح الفيتو، خصوصًا من قبل الولايات المتحدة، وهو ما يشبه عمليًا خنق القانون الدولي الإنساني، وتجريده من القدرة على حماية المدنيين.

هذا الجمود الدولي تجلّى بوضوح في التعامل مع الحصار المفروض على غزة منذ أكثر من سنتين، وما صاحبه من تجويع متعمد وإبادة جماعية بطيئة، من دون أي إجراءات رادعة أو مساءلة حقيقية. أما على المستوى الإقليمي، فإن الصمت العربي، أو الاكتفاء بمواقف إعلامية غير مؤثرة، منح إسرائيل شعورًا متزايدًا بالحصانة السياسية، وشجّع قادتها على أن يكونوا أكثر صراحة في خطاباتهم، وأكثر جرأة في عرض مشاريع توسعية كانت في السابق تُطرح في الغرف المغلقة.

فأن خارطة نتنياهو تمثل محاولة لإعادة رسم حدود المنطقة لصالح إسرائيل، ما يمنحها عمقًا استراتيجيًا ونفوذًا عسكريًا أوسع. هذا التوسع يضعف الموقف الجغرافي للدول العربية، ويعزز شعور إسرائيل بالتفوق، مستفيدًا من الانقسامات الداخلية العربية والجمود الدولي. النتيجة هي واقع سياسي وأمني جديد، يصعب تغييره في ظل غياب ردع حقيقي

هكذا، جاء إعلان نتنياهو ليعكس قناعة متجذرة لدى القيادة الإسرائيلية بأن اللحظة الراهنة، بضعف ردع القانون الدولي وصمت الجوار العربي، هي الفرصة الذهبية لتحويل مشروع "إسرائيل الكبرى" من رؤية أيديولوجية إلى خطة سياسية علنية.

 وما نراه من أرييل شارون الذي رسّخ التوسع الصامت عبر الاستيطان والجدار، إلى بنيامين نتنياهو الذي أعلن خارطة "إسرائيل الكبرى" بجرأة غير مسبوقة، نرى مسارًا واحدًا لم يتغير جوهره: مشروع توسعي يهدف إلى فرض واقع جديد في الشرق الأوسط. ضعف المنظومة الدولية، وعجز مجلس الأمن، وصمت عربي بلا خطوات عملية، كلّها عوامل منحت إسرائيل الضوء الأخضر للمضي قدمًا في خططها.

ومع استمرار هذا النهج، تبدو المنطقة أمام مفترق طرق خطير: إما أن تستمر المعادلة الحالية حيث تتحرك إسرائيل بلا رادع، أو أن تتشكل إرادة سياسية حقيقية—محلية ودولية—تفرض حدودًا على هذا التوسع. وحتى ذلك الحين، ستظل خارطة "إسرائيل الكبرى" أكثر من مجرد خطاب سياسي، بل مشروع يتسلل بثبات نحو التنفيذ.

باحث في الشأن السياسي الإقليمي والدولي


مشاهدات 47
الكاتب أحمد العابدي
أضيف 2025/08/16 - 3:36 PM
آخر تحديث 2025/08/17 - 7:28 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 251 الشهر 11864 الكلي 11406950
الوقت الآن
الأحد 2025/8/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير