الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصراع بين الفرض والقرض (6)

بواسطة azzaman

الصراع بين الفرض والقرض (6)

لماذا فشلت الهويات الوطنية المفروضة ؟

منقذ داغر

 

« إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والمليّة والدينية، فهي والحالة هذه مبعثرة القوى، مقسمة على بعضها، يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين... غير مجلوبين لحسيّات أو أغراض شخصية، أو طائفية... يداومون على سياسة العدل والموازنة والقوة معًا» الملك المؤسس فيصل الأول.

واجهت معظم الدول العربية ومنها العراق مشكلة بناء الدولة-الأمة  NATION-STATE بعد أن نالت استقلالها. ومثلت الإشكالات السياسية والإجتماعية والتاريخية التي سأذكرها بإيجاز لاحقاً، عائقاً أساس أمام نجاح عمليات بناء الهوية الوطنية لتلك البلدان. ونظراً لجاذبية الأنموذج الأنكلو-ساكسوني ونجاحاته المستندة عبر تاريخ طويل من التنوير الفكري والثورة الصناعية والديموقراطيات الناجحة، فقد كان ذلك الأنموذج للدولة الحديثة التي ظهرت في اعقاب الثورة الفرنسية والملكية الدستورية في بريطانيا هو الأنموذج الذي حلم به كل الانقلابيين والثوريين والسياسيين (القوميين) العرب بل وحتى نخبهم الفكرية يخاصة تلك التي درست في اوربا. أما الأمميين العرب فقد مثل الاتحاد السوفيتي أنموذجهم الحالم، في الوقت الذي مثلت الدولة او الأمبراطورية الإسلامية الملائكية انموذج الإسلامويين الهوياتي. ونظراً لفشل الأمميين أو الإسلامويين في تسنم السلطة بعد أستقلال معظم الدول العربية فقد حاول ورثة الإستقلال في الدول العربية عموماً تقليد الأنموذج الغربي دون ان تتوفر لهم الشروط اللازمة لنجاح آليات بناء لهوية الوطنية الجامعة والعابرة للاثنياتية او الطائفية او الدينية كما حصل في اوربا او حتى اليابان او امريكا.

ولعل هذا كان أهم سبب وراء الشكوى المريرة التي فصّلها الملك فيصل الأول رحمه الله في رسالته الشهيرة الى خاصته عندما استلم السلطة في العراق واقتبست بعض منها في بداية المقال. فقد كانت هناك جملة ظروف موضوعية أفشلت جهود معظم تلك الدول ومنها العراق لبناء هوية وطنية جامعة اعتمادا على منهج الفرض والقسر من الأعلى للأسفل.

سياسية استعمارية

1. الظروف التاريخية. لقرون خلت افتقدت الدول العربية للسلطة السياسية الوطنية وكانت خاضعة للإرادة السياسية الإستعمارية تحت مختلف المسميات. وفي العراق مثلاً لم تمثل السلطات السياسية التي تشكل العراق على أنقاضها (العثمانية و الإنكليزية) للشعب سوى أدوات تحكم وتسلط ونهب للثروات وعدم عدالة او مساواة بين طوائف الشعب. لقد بلغ الحال بالشعب أن يعتقد أن السرقة من الدولة تعدُّ شجاعةً وشرفاً لصاحبها بنفس طريقة روبن هود الإنكليزي. ولم يقتصر الأمر على تلك العهود فقد شهدت بغداد ومدن العراق اعمال سرقة ونهب لممتلكات الدولة العراقية بعد سقوط نظام صدام في 2003. لا بل أن بعض الفتاوى الدينية صدرت في أوقات مختلفة تحلل سرقة الدولة.

2. الظروف الاجتماعية. ونظراً لعدم الشعور بالوحدة الاجتماعية السياسية والهوية الوطنية الجامعة فقد كانت المجاميع المجتمعية لا ترى بأساً في جعل المدن العراقية امتداداً للصحراء حيث لغة المغالبة والغزو والسلب والنهب مقبولة، بل ومندوبة ايضاً. يرى المؤرخ عبد العزيز الدوري أن ظهور فئة العيارين والشطار–أو اللصوص- ببغداد في أواخر القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي وأوائل القرن الثالث/التاسع الميلادي كان وراؤه شعور عميق بعدم العدالة الاجتماعية.

وقد أكد ذلك الدكتور علي الوردي في كتاباته المختلفة مشيراً الى أن سيادة ومقبولية فكرة «النهاب الوهاب» في البادية، وفكرة الحايف (السارق) في الأرياف العراقية ترتبط بعوامل اجتماعية اقتصادية.

3. الظروف الأمنية. نظراً لافتقاد تلك المجتمعات للدولة الحارسة او الحامية، فقد كان منطق القوة يقتضي اللجوء للعُصبة او الجماعة لتكون هي الملاذ والحامي للفرد والجماعة. بالتالي تم ترسيخ هوية المجموعة الاجتماعية او الدينية على حساب مفهوم الدولة-الأمة.

هوية وطنية

4. الصراع الآيدلوجي.تمثل الآيدلوجيا الأساس الفكري الذي تقوم عليه لا النظم السياسية للدول حسب ،بل كل البنى التحتية الأخرى سواءً المادية منها كالمؤسسات أو غير المادية كالهوية الوطنية.

وفي الوقت الذي استطاع فيه عصر النهضة في اوربا فضلاً عن التداعيات السياسية والتكنولوجية التي أعقبت ذلك ان ينتج كثير من الأفكار الجديدة على انقاض التفكير السياسي والديني والأقتصادي وحتى الأجتماعي التقليدي فأن الحراك الفكري العربي في مرحلة ما بعد استقلال الدول العربية عجز عن أن يخرج عن نطاق ثلاث ثنائيات متشابهة: الحداثة والوراثة، والمعاصرة والمغادرة،والقطيعة والشريعة!! فضاع مفكرو الأمة وسياسيوها بين فكرٍ حداثوي مستورد يؤكد على القومية أو الأممية والديموقراطية الأجتماعية،وفكرٍ مستعبَد بالماضي المشرق «للأمة». فكر يرى أن «المعاصرة» تستوجب تقليد الغرب،وآخر يجد الخلاص في «مغادرة» مفاهيم الأمة العربية الواحدة، أو العالم الأممي الواحد ،أو الديموقراطية، أو سواها من المفاهيم المستوردة التي نجد أفضل منها في تراثنا الأسلامي الملائكي. فكر لا يرى بداً من «القطيعة» مع مع ما مضى، وآخر لا يرى أن زمن «الشريعة» قد أنقضى.

هذه الثنائيات الفكرية التي ظل العرب والعراقيون منهم يدورون حولها أربكت الأساس الفكري الذي يمكن أن تستند اليه الهوية الوطنية الجامعة. لا بل شككت أساساً في مفهوم الدولة-الأمة التي يراد صياغة هويتها. فهل القومية الأثنية هي أساس الهوية وبالتالي نحن أمة عربية واحدة؟ أم الإسلام هو الحل وبالتالي نحن أمة إسلامية واحدة! أم نحن دول مستقلة ذات كيانات حددها سايكس يبكو لنا وصار لزاماً علينا صياغة هويات وطنية تبعاً لذلك!! * يقصد بالقرض هنا النظم على وفق قواعد محددة.يقال قرض الشعر أي نظمه.


مشاهدات 64
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/08/02 - 3:17 PM
آخر تحديث 2025/08/03 - 4:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 126 الشهر 1576 الكلي 11276662
الوقت الآن
الأحد 2025/8/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير