الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جنازات مليونية لمَن يستحقها وجنازات خاطفة وبسيطة للمجاملة

بواسطة azzaman

جنازات مليونية لمَن يستحقها وجنازات خاطفة وبسيطة للمجاملة

فؤاد مطر

 

قبْل ثلاث وسبعين سنة وفي الثالث والعشرين من شهر تموز بدأت ﺑ «ثورة 23 يوليو 1952» الحقبة المهمة في تاريخ العالم العربي، تتمثل بإنقلاب على نظام الملك فاروق. وكانت ملامح هذه الثورة التي قام بها عدد من الضباط في الجيش ذات بُعد إنساني حيث أنها حرصت على سلامة الملك فاروق وأفراد عائلته وتم تسفيرهم في الباخرة المَلكية المعروفة بإسم «المحروسة» مع تأدية أصول التوديع للملك الذين أفقدوه عرشه لتبدأ الحقبة الجمهورية في تاريخ مصر مرتدية الزي العسكري، وعقيدة الذين قاموا بها إشتراكية على نحو ما يدعو إليه الدين الإسلامي قرآناً ورسالة نبوية ونُصحاً من الصحابة. والقصد من ذلك أنها ليست كما النهج الماركسي الذي كان منتشراً في بعض الدول العربية وبالذات سوريا ولبنان والعراق والسودان من خلال أحزاب تعتنق العقيدة الماركسية وموضع رعاية الإتحاد السوفياتي وعلى نحو رعاية إيران الخمينية – الخامنئية لتنظيمات وأحزاب في المنطقة العربية. وإذا جاز التشبيه فإن ثورة الخميني كانت بمنطلقاتها إقتباساً ﻟ «ثورة 23 يوليو» من حيث إنهاء الحُكْم المَلكي والبدء بنظام جمهوري.

ثورة ايرانية

لم تتضح هوية الرجل القوي أو القائد للمجموعة التي قامت ﺑ «ثورة 23 يوليو» كما هوية الثورة الإيرانية التي كان قائدها آية الله الخميني. ثم ما لبثت «ثورة 23 يوليو» المصرية أن حسمت الأمر بعد بضعة أشهر كان خلالها اللواء محمد نجيب هو من جرى ترئيسه، حيث تم وضْع الرجل في الإقامة الإجبارية داخل دارة غير مسموح له بمغادرتها وبقي على هذه الحال إلى ما بعد وفاة جمال عبدالناصر الذي كان هو الرجل الأول في الثورة، لكن موجبات ترتيب الوضع بهدوء وتوزيع المناصب على رفاق الثورة أوجبت ترئيس اللواء محمد نجيب الذي على ما إتضح لاحقاً أنه لم يكن من بين «الضباط الأحرار» لكن ليس بعيداً عن رؤيتهم وعن إجتماعاتهم السرية. مع ذلك بقي الإجراء الذي تم إتخاذه في حق محمد نجيب ووضْعه في الأسر الذهبي نسبياً طوال عشرين سنة، ندبة في تاريخ عبدالناصر كما تلك الندبة المماثلة إلى حد ما في تاريخ الرئيس هواري بومديْن الذي وضع رئيس الجمهورية أحمد بن بيللا في «الأسر الذهبي» أي داخل دار محروسة. ثم تشاء الأقدار أن يُتوفى عبدالناصر ويبقى محمد نجيب على قيد الحياة وأيضاً كما رحيل بومدْين فيما بن بيللا حي يُرزق ويقوم بجولات على دول عربية ويُمنح أوسمة إلى جانب التكريم. وفي حالة كل من الرئيسيْن المأسوريْن المظلوميْن ما هو أمثولة يتعظ بها الذين يحكمون.

غاب نجوم «ثورة 23 يوليو 1952» واحداً تلو الآخر إما وفاة بسبب العارض الصحي المفاجىء على نحو ما حدث للرئيس عبدالناصر أو إغتيالاً على نحو ما حدث لوريثه الرئيس أنور السادات، كما أقعد المرض آخرين. والذي يشكِّل علامة فارقة في تاريخ الحُكم أن تشييع جنازة عبدالناصر كانت مليونية (كما جنازة السيد حسن نصرالله يوم 23 شباط 2025 وقبل ذلك جنازة أم كلثوم يوم الأربعاء 5 شباط 1975 وإلى حد ما جنازة الفنان زياد عاصي وفيروز الرحباني يوم الإثنين 28 تموز 2024) لا يستوقف المشيِّعون وهم من كافة الطبقات التي يتشكل منها المجتمع المصري أن عبدالناصر هو رئيس مصر التي منيت ﺑ «هزيمة 5 يونيو 1967»، فيما جنازة الرئيس الوريث أنور السادات كانت بسيطة رغم أنه رئيس مصر التي عبرت قواتها قناة السويس وألحقت هزيمة بالجيش الإسرائيلي. وأما الوريثان التاليان للحقبة الساداتية (الرئيس حسني مبارك والرئيس محمد مرسي) فإنهما نُقلا من السجن إلى قاعة المحكمة فتشييع كل منهما وكما لو أنهما لم يتسلما مقاليد الرئاسة (حسني مبارك ربع قرن ومحمد مرسي سنة).. جنازة (مجاملة وبعض التعاطف) خاطفة لكل منهما ومن دون ذرْف الدموع عليهما. هذا يعني أن الشعب يميز ويعطي في ساعات الشدة التقييم العفوي لمن يحكم.

قومية عربية

وتبقى على هامش هذه الحالات المحزنة وبالذات ما يتعلق بالحقبة الناصرية، الإشارة إلى تقييم من جانب كاتب بريطاني (توم لتل) الذي أمضى ثلاثة عقود يتردد على مصر ودول عربية وألَّف كتاباً بعنوان «جمال عبدالناصر رائد القومية العربية» صدر في شهر أيار 1959 ختمه بعبارة «إن مصر تحتاج إلى الغرب ولن تستطيع الدول الغربية (الولايات المتحدة ودول أوروبا) في المستقبل المنظور أن تسير على سياسة شرق – أوسطية ناجحة من دون التعاون مع مصر».

ومع هذه العبارة تقييم من الرئيس الراحل صدَّام حسين عن فترة إقامته في القاهرة وعن تجربة عبدالناصر أورده في حوار أجريته معه عن سيرته الذاتية وهل كان يعتبر نفسه القائد الوريث للزعامة العربية بعد رحيل عبدالناصر. ومما قاله الرئيس صدَّام: «أهم ما يعنيني في القاهرة أنها كانت في عهد عبد الناصر منبراً تتكلم بإسم الأمة العربية كلها عن العرب وهذا أمر يجب أن نعتز به بغض النظر عن رأينا في تجربة عبدالناصر الذي كان الحاكم العربي الوحيد الذي يعبِّر عن الأمة أمام العالم كله بصرف النظر عن طريقة التعبير...».

وما يجاز قوله حول شهادة الكاتب البريطاني وتقييم الرئيس صدَّام، هل ما زالت مصر راهناً هي نفسها دوْراً وقيادة للعالم العربي، أم أن الظروف أوجبت أن تتولى المملكة العربية السعودية هذا الدور؟

في الآتي القريب من الزمن قد تتضح المعالم وتبدأ القيادة الجديدة واجبها القومي وبما يجعل العالم العربي شريكاً في القرار الدولي وليس حقل تجارب وأطماع يؤخذ منه الكثير ومن دون عطاء بحجم الأخذ. وبذلك تبدأ الحقبة الأهم بعد الحقبة المهمة التي بدأت ﺑ «ثورة 23 يوليو 1952» التي حدثت قبل 73 سنة وطغت في بعض هذه السنوات موجبات الإخفاقات على الإنجازات.. الأمر الذي جعلها تشيخ في عز شبابها وتفقد الكثير من النضارة التي إتسمت بها غير آخذة بالمعادلة الناصحة والمحذِّرة (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة) والتي تقي من العثرات. عسى ولعل من سيتصدر حاملاً راية عالمه العربي يأخذ بذلك النصح فيتأنى.. وبذلك لا يندم.

 

 

 


مشاهدات 75
الكاتب فؤاد مطر
أضيف 2025/08/02 - 3:20 PM
آخر تحديث 2025/08/03 - 4:15 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 126 الشهر 1576 الكلي 11276662
الوقت الآن
الأحد 2025/8/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير