الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لحنٌ يتيم .. ووطنٌ مؤقت اسمه الإبداع

بواسطة azzaman

لحنٌ يتيم .. ووطنٌ مؤقت اسمه الإبداع

اسامة ابو شعير

 

اسامة ابو شعير-في زمنٍ يتقن فيه العرب فن الاختلاف، ويبرعون في تحويل كل تفصيل إلى هوية ضيقة—من المذهب إلى اللهجة، ومن العِرق إلى الولاء السياسي—كان ثمة رجل اسمه زياد الرحباني يعزف من خلف الستار، دون خطب ولا بيانات، شيئًا يشبه الحلم… حلمًا كان يُبثّ كل صباح بصوتٍ واحدٍ اسمه فيروز.

لم يكن زياد يقدّم مجرد ألحان؛ كان يكتب لحظة عربية نادرة يتفق فيها الجميع دون اتفاق، لحظة يتوقف فيها الجدل، ويصمت المذيعون، وتتوارى الخلافات خلف نغمة تشبه الوطن الذي لم يتحقق.

لم يسأل أحد عن دينه، ولا عن مواقفه، ولا عن انتمائه، لأن سحر الفن حين يكون صادقًا، يُلغي كل ما عداه. كانت الأغنية هي الصلاة الوحيدة التي دخل فيها السنّة والشيعة والمسيحيون والدروز على السواء، دون وضوء ولا طقوس… فقط بشيء من الحنين.

وربما في هذه الحقيقة البسيطة تكمن أكبر مفارقة:

أن الإبداع وحده نجح حيث فشلت السياسة والدين معًا.

نحن لا نحتاج إلى المزيد من الخطب والمنصّات، ولا إلى وجوه تتحدث باسم الله أو الوطن، فيما هي عاجزة عن أن تجمع طفلين في مدرسة واحدة.

ما نحتاجه حقًا هو مزيد من المبدعين… من أولئك الذين يرون في اللحن ما لا تراه العيون، وفي القصيدة وطناً، وفي المسرح مرآةً صادقةً لا تعرف التجميل.

نحتاج إلى مزيد من زياد… وقليل من الذين يظنون أن مصير الأمة يُدار من على الكراسي أو المنابر.

فربما كان الفن هو العقد الاجتماعي المؤجل… واللحن هو آخر ما تبقّى من هوية تجمعنا.

 

 

 

 


مشاهدات 108
الكاتب اسامة ابو شعير
أضيف 2025/07/28 - 3:52 PM
آخر تحديث 2025/07/29 - 4:43 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 545 الشهر 19761 الكلي 11173373
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير