الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
خور عبد الـله جغرافيا إنسحبت بهدوء

بواسطة azzaman

خور عبد الـله جغرافيا إنسحبت بهدوء

فراس الغضبان الحمداني

 

في عالم الجغرافيا السياسية لا تُخسر الأرض فقط برصاصة أو بحدود مرسومة بل أحيانًا بإتفاقيات تُبرم في صمت ، وقرارات تُتخذ بعيدًا عن أنظار الشعوب . هكذا هو حال خور عبد الله الممر البحري الحيوي بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرة بوبيان الكويتية الذي كان يومًا شريان العراق نحو الخليج ، واليوم يعاني من تراجع سيادته بشكل صامت كأن الجغرافيا نفسها إنسحبت بهدوء .

خور عبد الله التميمي هو الممر المائي الأساسي الذي يربط ميناء أم قصر العراقي بالخليج العربي لطالما كان ممراً مفتوحًا لصيادي الجنوب العراقي وملاذًا للسفن التي تحمل البضائع من وإلى العراق ، لكنه لم يكن مجرد مجرى مائي بل كان رمزًا للسيادة البحرية العراقية وجزءًا لا يتجزأ من هويته الوطنية .

غير أن ملامح التغير بدأت بالظهور بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 حين فرض مجلس الأمن الدولي قرارات جديدة رسمت الحدود البحرية دون مشاركة فعلية من العراق بسبب الظروف السياسية الصعبة التي كان يمر بها وعلى مدى السنوات توسع النفوذ الكويتي تدريجيًا في هذه المنطقة خاصة مع توقيع إتفاقيات مثل إتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله عام 2012 والتي صادق عليها مجلس النواب العراقي في 2013 ، ما شكّل نقطة تحول جذري في إدارة هذا الممر البحري .

كان الهدف المعلن من إتفاقية 2012 تنظيم الملاحة بين العراق والكويت ، إلا أن الحقيقة كانت أكثر تعقيدًا إذ منحت الإتفاقية الكويت صلاحيات واسعة على خور عبد الله وأدت إلى تقييد حرية الملاحة العراقية وتقليص مساحة السيطرة العراقية على مياهها البحرية .

لم يكن ما حدث بعد توقيع الإتفاقية مجرد تغيير في الأوراق القانونية بل إنعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين والصيادين في الجنوب ، حيث أصبحت القوارب العراقية مهددة بالملاحقة ومنع الدخول إلى مناطق في خور عبد الله التي كانت سابقًا ضمن المياه العراقية الخالصة مما أثر سلبًا على الصيد ومصادر دخل آلاف العائلات .

إضافة إلى ذلك تسبب تراجع السيطرة على خور عبد الله في إضعاف موقع ميناء أم قصر الذي يُعتبر الرئة الإقتصادية للعراق على الخليج في حين شهد الجانب الكويتي توسعًا واضحًا في منشآته البحرية مع تطوير ميناء مبارك الكبير .

خور عبد الله التميمي ليس مجرد ممر مائي عادي بل هو قطعة من سيادة العراق وتاريخه وجغرافيته وأن الإنسحاب الصامت لجغرافيا هذا الخور يعكس هشاشة القرارات السياسية وتأثيرها المباشر على حياة الناس وكرامة الدولة .        

 

 

 


مشاهدات 83
الكاتب فراس الغضبان الحمداني
أضيف 2025/07/28 - 3:51 PM
آخر تحديث 2025/07/29 - 5:07 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 547 الشهر 19763 الكلي 11173375
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير