رغد
هدى جاسم
كانت للتو قد وضعت اولى احلامها على رف الانتظار ، فلربما يسطف جمع من كبار اساتذتها يحاورونها في اطروحة الماجستير التي وضعتها في مصاف الطلبة المتميزين في جامعتها .. فها هي تسابق خطواتها احلامها لتضع رسالتها مكتملة ومعتذرة من استاذها على التأخير ، وعندما عادت الى منزلها خطط جميع افراد عائلتها الاحتفاء» بمنجزها والذهاب الى مكان افتتح قريبا يجمع بين الاسواق والالعاب والمطاعم في طوابق تبدو للوهلة الاولى انها من طراز خاص في مدينتها « الكوت « ..
والدها المحال على التقاعد والمعروف بنزاهته وخلقه الرفيع ادخر بعض المال من مكافأة نهاية الخدمة وعلى قلته لكنه كان يراه كنز سيروي لاولاده كيف وصل اليه بتعب ومجهود .
قرر الوالد حينها ان يكـــــــــافئ ابنته ويصطحبها مع شقيقتها ووالدتها واحفاده الى هذا المكان الذي سمع عنه منذ ايام ولم يدخله ، فلربما ستجد عائلته ماتريد من مشـــــــــــــتريات خصوصا وان اعلانا انتشر بين اهل « الكوت « ان هناك تخفيضات مهمة على السلع الموجودة في احدى طوابق هذا المكان .
الجميع ارتدى احلى الثياب خصوصا» رغد « المحتفى بها وكانت قد قررت ان تشتري بعض الاكسسوارات تتزين بها في جلسة مناقشة رسالتها بين ماكانت تحلم به «حشود من الطلبة والاساتذة واهلها «، جميعهم سيصفقون لطرحها المنهجي والعلمي .
اقتربت خطوات «رغد « من هذا المكان وكان هناك العشرات غيرها يتزاحمون في تلك الليلة وكأن مزاد باقل الاسعار سيتم افتتاحه وعلى الجميع اخذ دوره للفوزبهذه الصفقة .
الصغار كانوا يمسكون بقوة بيد « رغد « والاب كان ينظر بفرح الى تلك الشابة التي رفعت راسه وتفوقت بدراستها وعوضت تعبه خيرا ، ينظر لها ولكل من حولها وكانه في طريق جديد لم يدركه بعد وعليه ان لايترك يد ابنته او احد من عائلته ويقول في نفسه « سنبقى دائما معا « .
فجأة الجميع شعربحرارة قوية تقترب ولا احد يعرف ماهو مصدر تلك الحرارة ، اقترب الوالد اكثر من عائلته وضمهم اليه ، لكن الحرارة تحولت الى نيران وصراخ في كل مكان الجميع يسرع للمجهول ، المصاعد اغلقت بفعل اطفاء التيار الكهربائي وبين لحظة واخرى انتشرت النيران في كل مكان ، لاشئ يحمي من اي شئ .
امتزجت النيران بالاجساد ، عشرات الجثث تتطاير قبل ان تصل الى جسد « رغد « فهاهي واحلامها تتاكل في النيران ، عائلتها ، الصغار ، رسالة الماجستير ، الاكسسوارات التي لم تضع اي منها على جيدها الغض .
تطايرالرماد والفحم في كل مكان بينه بعض من اجساد وانين لن يصمت ابدا معلق باحلام اغتالتها اياد فاسدة ، تطاير الرماد ،جميعنا سمع بالفجيعة ، فجيعة « رغد « والعشرات امثالها .
اكتفينا بالبكاء والاستنكار والدعاء والمطالبة بالرد على احلام مزقتها النيران واجساد لم تطالب بشئ سوى العيش بامان دون نيران تاكلها كل يوم بطريقة يبتكرها الفاسدين ،ليغتالوا رغدوالعشرات غيرهاكانوا يحلمون بغد ناصع البياض ،فكانت اجسادهم حطب ورماد لحلم بلا ثمن.