الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مجلس الدولة ضمانة دستورية لا غنى عنها

بواسطة azzaman

مجلس الدولة ضمانة دستورية لا غنى عنها

وليد عبدالحسين

 

وجه أستاذ القانون الدستوري في جامعة بغداد د. مصدق عادل في فيديو عُرض على صفحته الشخصية في الفيس بوك مناشدة إلى مجلس القضاء الأعلى تضمنت مقترحات تصب في إلغاء مجلس الدولة وربط محكمتي القضاء الإداري وقضاء الموظفين بمجلس القضاء الأعلى، واستند في مقترحه إلى عدة أسباب منها أنه يقترح "حصر سلطة إصدار الأوامر الولائية بمجلس القضاء الأعلى، منكرا على المحكمة الاتحادية العليا ومحاكم القضاء الإداري سلطتها في إصدار الأوامر المذكورة!"

وقد أجاب عن هذه الشبهة التي يثيرها جناب الدكتور مصدق، أجاب عنها بتساؤل إنكاري أستاذ القانون الإداري د. غازي فيصل في منشور أيضا عبر صفحته الشخصية قائلا: "هل أن مجلس القضاء الأعلى جهة قضائية أم أنه جهة إدارية عليا لمحاكم القضاء العادي؟... وأن محاكم القضاء الإداري في إصدار الأوامر الولائية تستند إلى أحكام المادة (٧/حادي عشر) من قانون مجلس الدولة لسنة ١٩٧٩ المعدل والتي أحالت إلى قانون المرافعات المدنية فيما لم يرد فيه نص خاص في القانون، علما بأن الأوامر الولائية في قضائنا الإداري تقابل نظام وقف تنفيذ القرارات الإدارية المطعون فيها بالإلغاء والمعمول به في دول النظام القضائي المزدوج كفرنسا ومصر."

كما أن الدكتور مصدق أنكر على مجلس النواب اختصاصه في إسباغ وصف القاضي على المستشارين والمستشارين المساعدين في مجلس الدولة عند ممارستهم مهام القضاء الإداري لأنهم في رأيه ليسوا قضاة وغير متخرجين من المعهد القضائي وبالتالي لا يجوز لهم التمتع بحقوق وامتيازات القضاة، متناسيا أن المادة (١/ثالثا) من قانون مجلس الدولة اعتبرتهم قضاة عند ممارستهم مهام القضاء الإداري حسب، مما يعني أنه لا يترتب على منحهم الوصف المذكور تمتعهم بحقوق وامتيازات القضاة، كما أنه ليس كل قاض اليوم متخرجا من المعهد القضائي وإنما كثير منهم قضاة استنادا للمادة (٣٦/ثالثا) من قانون التنظيم القضائي لسنة ١٩٧٩ المعدل والتي أجازت تعيين المحامي والموظف من حملة شهادة البكالوريوس في القانون قاضيا إذا توافرت فيه الشروط التي حددتها استثناء من شرط التخرج من المعهد القضائي، فهل وفق مقترح الأستاذ مصدق يجب أن يغادر هؤلاء القضاة منصب القضاء كونهم ليسوا خريجي معهد قضائي!

ثم ما رأي جناب الدكتور بالقضاء العسكري الذي يُدار من قبل ضباط ويقوم بمهام قضائية في المحاكم العسكرية؟ ما رأيه بالعضوية في المحكمة الاتحادية العليا وفقا للمادة (٩٢) من الدستور التي جاءت صريحة: "تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عدد من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب."

لا أعرف لماذا يهاجم الأستاذ مصدق فكرة القضاء الإداري وطبيعته وتشكيلاته الآن ويغمض عينيه عن وضع القضاء الإداري في الدول الأخرى لا سيما فرنسا ومصر خاصة وأن المادة (١٠١) من دستورنا في العراق أجازت إنشاء مجلس دولة يتولى وظائف القضاء الإداري والإفتاء والصياغة، أفلا تكفي عبارة (بوظائف القضاء الإداري) في تأصيل محاكم القضاء الإداري دستوريا ودون الحاجة لتعدادها؟

ثم من الإشكاليات التي يثيرها أيضا أن محاكم القضاء الإداري لا تخضع لرقابة هيئة الإشراف القضائي ولجنة شؤون القضاة المشكلة بموجب قانون التنظيم القضائي، وهذه مسألة طبيعية لأن الهيئة واللجنة المذكورة تخص القضاة في محاكم القضاء العادي ولا علاقة لها البتة بأعضاء محاكم القضاء الإداري لأنه قضاء مستقل قائم بذاته، وهذا هو حاله في كل دول النظام القضائي المزدوج، لا سيما وأن السادة المستشارين في مجلس الدولة هم موظفون في الدولة العراقية ويخضعون في عملهم إلى قانون انضباط موظفي الدولة رقم (١٤) لسنة (١٩٩١) النافذ، بحكم وظائفهم، وبإمكان الأستاذ مصدق العودة للقانون المذكور ومعرفة الرقابة على عمل الموظفين فيه.

إن دعوة الدكتور مصدق حول ربط محكمة القضاء الإداري ومحكمة قضاء الموظفين بمجلس القضاء الأعلى الموقر مع جلال مجلس القضاء الأعلى الموقر هو هدم للقضاء الإداري في العراق وعودة به إلى الوراء (نظام القضاء الموحد).

إن دعوة أستاذنا مصدق عادل المحترم تستوجب تعديل الدستور العراقي النافذ وإلغاء المادة (٩٢) منه كي يكون قضاة المحكمة الاتحادية من خريجي المعهد القضائي فقط، وإلغاء المادة (١٠١) أيضا كي يلغى وجود مجلس الدولة والقضاء الإداري، وإلغاء قانون مجلس الدولة رقم (٧١) لسنة (٢٠١٧) وهذه كلها تحتاج دراسات ومشاريع قوانين ينظرها مجلس النواب الموقر ويصوت عليها وليس معالي رئيس مجلس القضاء الأعلى كما وجه له النداء، وإنني بصفتي محام لا زلت أحبو في تعلم القانون أستغرب أن يتقدم أستاذ كبير مثل الأستاذ مصدق عادل بمقترح مخالف لبديهيات الدستور والقوانين النافذة ويوجهه عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي يتواجد فيها المثقفون وأنصاف المثقفين والجهلة فيشغل الشارع العراقي بأمور هو في غنى عنها، مما يستلزم بما يملك من أدوات علمية وبحثية وأكاديمية تقديم مقترحه وبشكل مدروس وإلى جهة مختصة في التشريع والتعديل كي يسهم في تطور الواقع القانوني والمؤسساتي في العراق.

ختاما إن تجربة مجلس الدولة في العراق، لا زالت تجربة فتية ومهمة، ولمسنا بعد استقلاله عن وزارة العدل نتائج طيبة، ويُدار من قبل ثلة خيرة من فقهاء القانون ممن عُرفوا بالعلم والكفاءة والنزاهة في العمل، لذا فإن الأمر يستلزم المساهمة في استمرارهم بتطوير قضائنا الإداري الرصين والحفاظ على ما تحقق من منجز على أيديهم، لا أن نقول لهم غادروا أماكنكم فإنكم لستم قضاة ويجب أن نلحق المحاكم التي تديرونها بمجلس القضاء الأعلى كي نعود بالعراق إلى ما قبل التاريخ ولا علاقة لنا بتطور الدول الأخرى فنحن بلد ينبغي أن يبقى ضمن فكر السلطة الواحدة والقائد الواحد وحرام عليه توزيع السلطات والمسؤوليات!

 


مشاهدات 51
الكاتب وليد عبدالحسين
أضيف 2025/07/07 - 3:30 PM
آخر تحديث 2025/07/08 - 7:08 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 168 الشهر 4333 الكلي 11157945
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير