الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحسين… شهيد الحق والإيمان

بواسطة azzaman

الحسين… شهيد الحق والإيمان

إسماعيل محمود محمد العيسى

 

في كربلاء، لم تكن السيوف وحدها تتكلم؛ كان هناك كتاب في قلب المعركة؛ وحبرٌ يسيل في مواجهة الدم؛ ومشروعٌ إصلاحي يبدأ من حيث ينتهي الآخرون: من الوعي.

لم يُستشهد الإمام الحسين عليه السلام لأنه أراد مُلكاً؛ بل لأنه رفض أن يُبايع الجهل؛ أن يضع يده في يد من غيّر، وبدّل، وطمس مبادئ الشريعة؛ وأن يتحول الدين إلى طقوس بلا فقه؛ وإلى مظاهر بلا جوهر.في يوم عاشوراء؛ لم تُنصب خيمة لبيع السلاح؛ بل نُصبت خيمة العلم؛ وفيها كان الحسين عليه السلام يعلّم أصحابه كيف تُصان الكرامة؛ وكيف يُبنى الإنسان لا على الخوف؛ وإنما على الإدراك؛ لا على الغنيمة؛ بل على الرسالة.

لم يكن همُّ آل البيت السياسة؛ بل محاربة الجهل؛ وبناء عقل الأمة؛ وإنقاذ الدين من الابتذال، كانوا علماء قبل أن يكونوا ثواراً؛ وفقهاء قبل أن يكونوا شهداء.

فهل نسينا أن الإمام الصادق أسّس لأكبر مدرسة فكرية؟ وهل نغفل أن زين العابدين قدّم أنقى تراثٍ روحي ومعرفي في صحيفته السجادية؟ وهل نعي أن الحسين، قبل كربلاء، أمضى حياته معلماً، وموجهاً، وناصحاً للأمة: أن “كونوا أحراراً في دنياكم”، وأن “لا يُباع الدين بثمن زهيد”؟آن لنا أن نعرف أن ثورة الحسين هي مشروع تعليمي إصلاحي؛ حين قال الحسين: “إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي”؛ كان يضع حجر الأساس لمشروع نهضوي علمي قبل أن يكون سياسيًا أو عسكريًا.الإصلاح يبدأ من التعليم؛ من تجفيف منابع الجهل؛ من إعادة الاعتبار للعقل، في زمن خنقته العاطفة، وتحكمت فيه العصبيات.لقد أُريق دم الحسين، لكن لم يمت مشروعه؛ بل وُلد من جديد في كل مدرسة تصدح بالعلم؛ في كل طالب يرفع الكتاب في وجه التجهيل؛ في كل معلم يرى في الحسين قدوة، لا في الفداء فقط، بل في الوعي والبصيرة.نحيي في هذه الأيام، في العراق والعالم الإسلامي، ذكرى عاشوراء؛ عسى أن تكون ذكراه إحياءً لمشروع الإنسان العارف، فكم مدرسة اليوم تسير على خُطاه؛ وكم أستاذًا يشرح لطلبته أن أعظم دروس الحسين كانت في موقفه؛ وكم جامعة تستلهم من آل البيت روح العلم، والتسامح، والتجديد؛ لا الانغلاق، والنقل الجامد.

ليست عاشوراء مناسبة بكاء فقط؛ بل هي فرصة لبناء مناهج تُعلّم طلابنا أن الشهادة ليست فقط على ساحة القتال؛ بل على منبر الحق؛ في قاعات الدرس؛ في رفض الغش؛ في محاربة التجهيل؛ في صناعة العقل النقدي.آن لنا أن نُدرّس “الحسين المعلّم”، و”الصادق الفقيه”، و”زين العابدين العابد الحكيم”، لا أن نحصرهم في المآتم فقط.

وأخيراً أقول: إن الحسين لم يكن ثائراً عابراً في التاريخ، بل كان “منهجاً يسير”، و”مدرسةً تفكّر”، و”جامعةً تنطق بالعدل”. فمن لا يرى في كربلاء مشروعًا معرفيًا، فقد اختصر الثورة في مأساتها، ونسي أن النور لا يُولد من الدموع، بل من الفهم.

 


مشاهدات 62
الكاتب إسماعيل محمود محمد العيسى
أضيف 2025/07/05 - 1:40 AM
آخر تحديث 2025/07/05 - 7:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 174 الشهر 2437 الكلي 11156049
الوقت الآن
السبت 2025/7/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير