الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نزار حمدون يكشف أسراراً مهمة من تاريخ العراق في سيرة حياة دبلوماسية

بواسطة azzaman

الحصار الإقتصادي وأزمات فرق التفتيش والمشكلات مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن

نزار حمدون يكشف أسراراً مهمة من تاريخ العراق في سيرة حياة دبلوماسية

 

مواقف مثيرة للإهتمام في كواليس الخارجية العراقية

 

بدأت حياتي السياسية بعثياً وانتهيت ليبرالياً واقعياً أكثر عصرية وأقل تعصباً

عملي في واشنطن ناجح بلا شك ويصعب إطلاق صفة النجاح أو الفشل على عملي في نيويورك

مازلت في حالة ضياع تام بين حقيقة مشاعري تجاه الحال العراقي ومتطلبات وضعي الشخصي والعائلي

أي موقف اعتراضي لي سيضعني في خانة غير الوطنيين وربما المرتبطين بجهات خارجية

لم نكن صادقين وشفافين مع فرق التفتيش عن الأسلحة فاتهم العراق بعدم التعاون

رئيسنا لا يريد له صورة التائب لإن صورته كملهم وكقائد لا تستقيم معها حتى لو احترق العراق كله

مركب النقص مع العنجهية البدوية والسلوك الرعاعي والشعاراتي ضيعا فرصة بناء علاقات جيدة

حسين كامل منفذ رئيسي لسياسة إخفاء الحقائق عن فرق التفتيش ولم يكن المسؤول الأول عنها

برزان يطالب بضرورة المصداقية مع الغرب وصدام يجيبه: هل تأثرت بالغرب؟ هل تبدل تفكيرك؟

 

 

عمر علي حيدر

 

حقبة الحصار الإقتصادي -لمن عايشها- كانت من أصعب ما مر بالعراق من 1990-2003، وكان من آثارها الماثلة إلى اليوم تصدع المنظومة الاجتماعية للبلد، وتدهور أحوال الناس النفسية والمعيشية، وانحدار المنظومة القيمية، وتراجع البنية العلمية، ورافق ذلك كله فوران الدم والأعصاب اليومي الناتج عن الأزمة تلو الأزمة نتيجة المراوغة المتبادلة بين الحكومة وفرق التفتيش، وازدياد معاناة الناس على حساب المحافظة على سمعة الحكومة التي سلمت كل شيء بعد فوات الأوان، وانتهى الحال باحتلال بغداد عام 2003.

ما الذي كان يجري في كواليس السياسة العراقية الخارجية والأمم المتحدة ومجلس الأمن؟، كيف كان هذا الملف يدار بينهم؟، من هي أبرز الشخصيات التي كانت لها علاقة بهذا الموضوع؟، ومن المسؤول عن تدهور العلاقة بين العراق وفرق التفتيش؟، هذا وغيره من الأسئلة يجيبك عليها السفير نزار حمدون (رحمه الله تعالى) في الجزء الثاني من كتابه (سيرة حياة دبلوماسية) الصادر عن دار الحكمة في بغداد، أقدمه عبر الزمان الغراء مشاركة في فهم ما جرى، ورغبة في منح كل انسان ما يستحق من تقييم بناء على دوره، لا على الظنون والأوهام والاستنتاجات التي لا تستند إلى أدلة أو حقائق.

وفي الوقت الذي أعرض فيه هذا الجزء المهم من المذكرات-مختصراً الكثير مما ورد فيه من يوميات ومحاضر جلسات وما إلى ذلك ومتجاوزاً تسلسلها التاريخي- أتمنى أن يضاف لتعاملنا مع تاريخ العراق الحديث معياراً مهماً نحن اليوم في أشد الحاجة اليه (قراءة وبحثاً وكتابة)، وهو أن يتم إدراك هذا التاريخ لا بحسب قرب أو بُعد هذه الشخصية أو تلك من الحكومات، وإنما على حساب الرغبة في معرفة الحقيقة المجردة التي تسعى لفهم ما جرى، ثم تضع النقاط على الحروف للنهوض من عثرات الماضي، والقيام الصحيح لبناء جديد، وبغير ذلك، ستتكرر الأخطاء، وتزداد الكبوات، وغيرنا يمضي، ونحن إلى الوراء نسير.

عن حياته الحزبية

يذكر السفير نزار حمدون عن حياته الحزبية:»بدأت حياتي السياسية استنادًا إلى رؤية عقائدية متمسكة دون تزمت بالمبادئ المعروفة لحركة البعث العربي الاشتراكي، وإنني انتهيت في مراحل متأخرة من حياتي كليبرالي واقعي لا يرى الحياة من منظار حزبي أحادي الجانب، وهذا صحيح. ولكن الصحيح أيضا أن زاوية رؤيتي لمبادئ وأهداف البعث نفسها قد تغيرت أو بالأحرى تطورت إلى واحدة أكثر عصرية وأقل تعصباً».

بين العمل والمشاعر

هموم السفير نزار حمدون واضحة في الحديث الآتي:

«في 1 آذار 1993 دونت وأنا في نيويورك الملاحظة التالية: «ما زلت في حالة ضياع كامل بين حقيقة مشاعري تجاه الحالة العامة في البلاد وقرفي من الوضع العراقي برمته سواء في السياسة الخارجية أو الداخلية ، وبين متطلبات وضعي الشخصي والعائلي من الناحيتين الأمنية والمادية، مع عنصر من الشعور الوطني تجاه الحالة الشعبية في العراق، أي الوضع الصعب للناس جراء الحصار وبالتالي الشعور بأن أي شيء يمكن أن أقدمه لتحسين هذا الوضع لا يجوز لي التراجع عنه، كما أن تصور أي موقف اعتراضي لي من الخارج سيضعني في خانة غير الوطنيين وربما المرتبطين بجهات خارجية، وهذا آخر ما أريده لنفسي، إذن ليس هناك من موقع وطني معقول في الوسط».

تفتيش وزارة الزراعة

واحدة من أكبر الأزمات التي مر بها العراق مع فرق التفتيش، يذكر السفير نزار حمدون:»أكد لي الفريق عامر رشيد أكثر من مرة إن وثائق نقلت خلال الأيام الماضية وأخليت من مبنى وزارة الزراعة والري دون أن يقول إلى أين ، وإنه حتى ليلة أمس 27/7/1992على حد قوله بقيت حوالي 16 كيسًا كبيرة مملوءة بالوثائق، ولَوْلَا تدقيق جماعته لربما بقيت وسببت مشكلة مع فريق التفتيش. وكان الفريق عامر قلقا جدًا من احتمال فحصهم للحاسبة الموجودة في الطابق الثاني من المبنى والتي فيها بعض المعلومات عن بعض الشركات، وهي حاسبة قديمة على حد قوله ونهبت من الكويت. وقال لقد فكر البعض منا بإتلاف شريطها، وكان ذلك من الممكن أن يجعل المفتشين يشكون بالوضع . وعند تحدثه مع العقيد عبد حمود على الهاتف بعد انتهاء التفتيش أشار له إن الموضوع الذي كان قلقا حوله لم يجلب انتباههم.

يعقب السفير حمدون: «هذه الملاحظات هي أدلة ومؤشرات قوية على سياسة الإخفاء التي اعتمدتها السلطات العراقية كلها وبإشراف مركزي من الرئيس ومكتبه». ويقول في موضع آخر: «أما عن عمليات الاستخبار والتنصت فقد كانت مستمرة على فرق التفتيش».

شكوك بموقع نووي

في 23/6/1991 كنت جالسًا في مكتب الوزير أحمد حسين عندما تكلم بالهاتف مع وزير الدفاع آنذاك حسين كامل وتحدث معه حول لقاءه يوم أمس مع الخبير في وكالة الطاقة الذرية زفريرو الذي أبلغه بأنه جاء إلى بغداد بمهمة عاجلة الإجراء فحص على أحد المواقع التي يشكون إن مواد نووية قد نقلت إليها من موقع التويثة ... ويبدو من سير الحديث بأن وزير الدفاع قال لوزير الخارجية بأنه لن يسمح إطلاقاً للمفتشين بدخول الموقع الجديد( وخلي يزعلون) ...  كما قال له بأنه من الصعب نقل المواد خلال هذا اليوم ولا بُدَّ من بعض الوقت . وختم وزير الخارجية بالقول : ( إذن سنقول لهم بأن الموقع الذي تريدون دخوله هو موقع عسكري ولا يمكن دخوله دون موافقة وزير الدفاع الذي لم نستطع الاتصال به بسبب عطلة العيد وإننا سنحاول ذلك بعد العيد» .

ويعقب السفير حمدون: «وهذا يوضح إن سياسة الإخفاء كانت معتمدة تجاه التفتيشات منذ البدء وإنها سياسة مركزية كان حسين كامل منفذ رئيسي فيها ولكنه لم يكن المسؤول الأول عنها».

تصوير المواقع الرئاسية

هي إحدى الأزمات التي أججت مشكلة كبيرة بين العراق وفرق التفتيش ومنها تصوير المواقع الرئاسية في الرضوانية بتاريخ 26/3، ويتساءل السفير نزار حمدون: «ما هو الضير من تصوير المواقع الرئاسية وهي كلها مصورة أصلاً من طائرة اليوتو ومن الأقمار الصناعية؟، كما أن اللجنة الخاصة وافقت على إعطاءهم نسخاً كاملة من تلك الصور. ولكن هذا السلوك يقصد به إظهار التمنع وعدم التعاون ‏والظهور بمظهر المظلوم مرة والمشاكس البطل مرة أخرى ولو على حساب أرواح الآلاف من المواطنين والملايين من المعذبين».

سياسة إخفاء الحقائق

في مساء يوم 24 أيلول 1991 وكنا في مكتب الوزير الصحاف وبحضور الدكتور همام عبد الخالق تحدث الصحاف عن الإهمال الحاصل في عدم إخلاء الوثائق من البنايتين اللتين داهمهما فريق التفتيش برئاسة David Kay فيما يخص المنشآت النووية. وقال الصحاف إنه وخلال اليومين الماضيين كان جماعتنا ينقلون مسائل مهمة كثيرة حيث تم رفعها ونقلها ولكن الأضابير (الذاتية) لم يكن هناك متسع من الوقت لها».

يعقب السفير حمدون على ذلك بالقول: «وهذا ما يؤكد سياسة الإخفاء منذ البدء أي إننا منذ البدء لم نكن صادقين وشفافين بهدف الانتهاء من تنفيذ القرارات وبالتالي لرفع سريع للحصار وان هذا السلوك هو الذي أعطى اللجنة الخاصة ومن خلفها مجلس الأمن أن يتهم العراق بعدم التعاون».

تصاريح مجهولة

وفي 6/10/1991 كنت جالساً في مكتب الوزير أحمد حسين الذي كان نشر في صحف اليوم تصريح باسمه لم يكن يعرف به. والتصريح هو رد على وزير الخارجية السعودي واتهامه وحكومته بالعمالة والانحطاط والفساد ، ... إلخ . فرفع الوزير سماعة الهاتف وتحدث مع وزير الإعلام حامد حمادي قائلاً له إن هذا التصريح ليس دبلوماسيًا ولا علاقة له به إذ إن نائب رئيس الوزراء طارق عزيز هو الذي كتبه وأرسله مباشرة إلى وكالة الأنباء.

تعقيب السفير حمدون: «وباعتقادي إن طارق عزيز لا بد واستلم توجيهاً من الرئيس بعمل ذلك . وهي ممارسة صارت مألوفة جدا بأن يقوم الرئيس أو معاونوه بكتابة أي تصريح بإسم أحد المسؤولين وإرساله مباشرة إلى وكالة الأنباء لبثه قبل أن يطلع أو يعلم به المسؤول الذي سيصدر التصريح باسمه».

عروض حسين كامل

وفي 9/10/1992 زارني سمير فنسنت [صديق] الذي كان قد عاد من بغداد لتوه، وتحدث لي عن لقاء له مع حسين كامل الذي التقاه لمدة ساعة ونصف. وملخص ما قاله حسين كامل بأنه لا يحب طارق عزيز ويعتبره مسؤولاً عما جرى للعراق، وإنه يريد علاقة مع أمريكا ويطلب أن يوفدوا أحدًا للقاء معه، وهو مستعد لإعطاء أمريكا كل ما تريده وخاصة امتيازات في مجال النفط العراقي ويمكن أن يبدأ بإعطائهم امتياز في حقل مجنون النفطي. كما قال له بأنه لا يعير أدنى اهتمام الموضوع فلسطين. وختم بالقول إنه يريد منه جوابًا خلال ثلاثة أسابيع .

يعقب حمدون: «ولا أحد يعلم حتى الآن إن كان حسين كامل يتصرف بموجب موافقة رئيسه أو يتصرف لحسابه الخاص، وهذا هو الأرجح».

النقص والعنجهية البدوية

في 13/1/ 1993 وكنت على الهواء في مقابلة مع المذيع التلفزيوني الشهير Ted Koppel على برنامجه Nightline قرأ علي فقرات من مقابلة للرئيس المنتخب كلنتون ستنشر صباح الغد في جريدة النيويورك تايمز كان أهم ما جاء فيها بأنه ليس لديه عقدة أو هوس مع الرئيس العراقي، وفي الوقت الذي لا يستبعد شن حرب برية ضد العراق فإنّه مستعد لبداية جديدة معه . كما أنه يمكن أن يتخيل علاقات طبيعية مع الرئيس العراقي إذا ما كانت سياسته ستتم بموجب الأعراف الدولية ، وإنه يريد استغلال هذه المقابلة لإرسال إشارة إلى الرئيس العراقي (أنا سوف أحكم عليك من تصرفاتك ، وإنني لن أجلس محاولاً معرفة ما هي دوافعك) . كما أكد إن ليس من مهمته اختيار رئيس آخر للعراق.

يعقب السفير حمدون:» اقترحت على بغداد فكرة إرسال رد فعل من الرئيس صدام إلى الرئيس كلنتون على شكل رسالة أو نقاط حديث. ولم يردنا جواب على المقترح، إذ يبدو إن الرئيس لم يكن مستعدا لتخفيض مستواه، وبالتعامل من موقع التائب أو العائد إلى الركب. لقد كان تصريح كلنتون ذاك من أهم ما صدر مما كان يمكن أن تؤسس عليه علاقة جديدة بين العراق والولايات المتحدة، ولكن مركب النقص مع العنجهية البدوية ضيعا تلك الفرصة وخاصة بالسلوك الرعاعي والشعاراتي في الأيام الأخيرة للرئيس بوش.. «.

ويضيف في مكان آخر من المذكرات: «كنت أعرف أن رئيسنا لا يريد لنفسه صورة التائب العائد إلى الأحضان إذ إن صورته كملهم وكقائد لا تستقيم معها حتى لو احترق العراق كله، وإن المسألة كلها مسألة إعلامية لكسب وقت وربما لتسجيل انتصار على أمريكا يمكن أن يرضى به كلنتون».

محاولة اغتيال بوش

«استمرت التصريحات العراقية المزعجة لأمريكا حول مناطق الحظر الجوي وغيرها . وانتهى الأمر بعملية لاغتيال الرئيس بوش خلال زيارته الكويت . وليس هناك أدنى شك بأن المخابرات العراقية كانت خلف هذه العملية التي انطلقت من روح الثأر والانتقام وليس من رؤية موضوعية لمصالح العراق و شعبه الذي طحنته سنوات الحرب والحصار».

برزان يتحدث لحمدون

وكانت لي فرصة اللقاء مع برزان إبراهيم على الغداء لوحدنا في 19/6/1993 قال بأنه كان قد طلب منه مباشرة بعد نهاية الحرب مفاتحة سفيري أمريكا وبريطانيا لبحث إمكانية قيام حوار مع العراق ، وانه أرسل برقية إلى شقيقه في بغداد يقول فيها أنه يتوقع أن يسأل حول عدة مسائل مثل التوجه الديمقراطي للبلد وموضوع النفط، والصراع العربي الإسرائيلي ، وطلب التوجيه بصددها وضرورة أن تكون له مصداقية في حديثه معهم . وباول زيارة له إلى بغداد كانت له جلسة عاصفة مع شقيقه الذي قال له : هل تأثرت بالغرب؟، هل تبدل تفكيرك؟، ما هي المصداقية ؟ كما تحدث لي برزان بعصبية ظاهرة عن كيفية تعيين حسين كامل ومن بعده علي حسن المجيد في منصب وزير الدفاع وهم بالأصل جنودًا ، وقال بأن ذلك تدمير للمؤسسة العسكرية العراقية وأنه قال ذلك لشقيقه وسأله لماذا لم يرأس هو (صدام) وزارة الدفاع ، فأجابه بأنه لو فعل ذلك لإتهموه بأنه لا يثق بأحد. وتحدث برزان بسلبية كبيرة عن محمد الزبيدي وغيره ، وعن الحاجة للديمقراطية . وأقسم بأنه لَوْلَا أنه يخشى أن يتهم بعدم الوطنية والولاء لكان ترك الحكومة . وتحدث عن خطورة محاولة ركب الاتجاه الديني في إشارة إلى حملة طبع القرآن مؤخرًا وانتقد عزة إبراهيم كطائفي وعن مسؤوليته في قيادة الاتجاه الديني في الحزب. وفي هذه الجلسة أيضا هاجم برزان بشكل مرير حسين كامل وتساءل عن خبراته لكي يرأس اللجنة الاقتصادية في العراق .

مقتل ليلى العطار

وفي 26 حزيران 1993 قامت الولايات المتحدة بقصف مركز لبغداد شمل مقر جهاز المخابرات وبعض المواقع العسكرية الأخرى. وسمعت بألم بفاجعة مقتل الفنانة الإنسانة ليلى العطار في ذلك الهجوم والتي سقط صاروخ على مسكنها الملاصق لمقر جهاز المخابرات في حي المنصور . وكانت علاقة صداقة عائلية تربطني معها وزوجها الذي قتل معها في تلك الليلة . وقد أشرت إلى تلك الحادثة في كلمتي التي ألقيتها ذلك اليوم في مجلس الأمن لإدانة العملية العسكرية .

وفي اليوم نفسه قابلت السفيرة ألبرايت في مسكني بناء على طلبها وسلمتني مذكرة مكتوبة تشرح وتبرر موقف حكومتها في الهجوم على العراق ردا على محاولة اغتيال بوش في الكويت والذي تقول المذكرة إنه أثبته التحقيق. أجبتها بأن ليس لدي رد فعل بعد من بغداد ولكن رديء الأولي بأن هذا عمل عدواني غير مبرر وقد كان من المفترض أن تعرض أو تناقش أية أدلة مع العراق قبل أن تصدر أمريكا حكمها وتنفذه .

بندر بن سلطان

يذكر السفير حمدون: «علمت بأن السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان التقى مع عدد من المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية وكان يحرضهم على عدم السماح للعراق بإعادة تصدير نفطه لأن ذلك سيلحق الضرر بهم مشيرًا إلى نوايا العراق السيئة تجاه أمريكا . كما أنه قدم الوعود باستعداد السعودية منح فرص عمل جيدة جديدة للشركات الأمريكية».

ويقول في موضع آخر من المذكرات:» في الأسبوع الأخير من تموز 1993 علمت من أحد الأصدقاء بأن السفير السعودي بندر بن سلطان التقى مع وزير الخارجية كرستوفر واشتكى له من تجاهل المسؤولين في الإدارة له وعدم فتح أبوابهم له مثل السابق. طرح عليه الوزير ضرورة قيام السعودية بدور ضاغط ومؤثر على الفلسطينيين لأن يكونوا أكثر إيجابية تجاه عملية التسوية، وبالمقابل فهو يعده بأن يبقى التعامل معه مثل السابق .

الدين للإثارة والدعاية

في 18/6/1993 قابلت السفيرة ألبرايت بناء على طلبها ... وأثرت معها قضية طلب عراقي لإطلاق عشرة ملايين دولار من الأموال العراقية المجمدة في الولايات المتحدة لغرض طبع القرآن الكريم . قالت بأن الطلب أستلم مؤخرًا من قبل بعثتها وهو تحت الدراسة .

ويعقب السفير حمدون: «وهذه الممارسات مثل طرح قضية طبع القرآن أو دفع نفقات الحجاج العراقيين - وغيرها كنا نطرحها من حين لآخر بتوجيه من الوزارة ، وهي مصممة خصيصاً للدعاية وللإثارة الجماهيرية أكثر من أنّها حاجة حقيقية أو مسألة ضرورية».

الشيعة في العراق

وفي 1/8/ 1991إلتقى طارق عزيز مع المقرر الخاص شتول في مكتبه في مجمع القادسية. وكان من أهم ما طرحه في ذلك اللقاء :»أشرت بحديثك إلى الشيعة، لا توجد لدينا مشكلة شيعة في العراق، إن أكثر من نصف الحكومة هم من عوائل شيعية. ولكن إذا كان هناك من يؤمن إن قائده موجود في إيران وإن القتل مسموح به، فإن مثل هذا الشخص ليس شيعيا بل شخص خارج عن القانون وعلى الحكومة اتخاذ الإجراءات لردع مثل هؤلاء الناس».

الأحزاب الدينية

وفي موضع آخر من الكتاب يذكر السفير حمدون أنه وفي: «1/6/1991  التقيت مع طارق عزيز في مكتبه بمجمع دجلة لأخذ توجيهاته قبل سفري المتوقع إلى ألمانيا بغرض الحوار السياسي مع حكومتها. وكان [من بين] أهم ما جاء بتوجيهاته: «الأحزاب الدينية المتطرفة لن يسمح بها بسبب اعتمادها على الرفض والعنف».

عامر رشيد يتساءل

في 25/8/1993وصل الفريق عامر رشيد إلى نيويورك على رأس وفد فني . وتحدث لي عدة مرات عن تصلب طارق عزيز واتخاذه مواقف متشددة في التعامل مع اللجنة الخاصة وأشار إلى قوله ( إذا ما أصر أيكيوس على إجراء تفتيش في إطار القرار 715 قبل رفع الحظر فنحن مستعدون أن نذهب للحرب ولا نقبل بذلك) . وسألني عامر رشيد عن رأيي في سبب ذلك التشدد. فذكرته بما جرى لطارق عزيز في المؤتمر القطري منذ سنتين واتهامه بالليبرالية والاعتدال، لذلك فهو يضع نفسه الآن دائماً على يسار الآخرين خوفا من الاتهام . كما تحدث عن الحساسية القائمة بين حسين كامل وطارق عزيز وأشار إلى أن مسألة المضايقة والتحرش بفرق التفتيش تتم من قبل جهاز المخابرات الذي يستلم تعليماته مباشرة من الرئاسة .

رؤساء البعثات العراقية

في 12 حزيران 1994 حصل في بغداد اجتماع لرؤساء البعثات العراقية في الخارج وقد حضر الرئيس وتحدث كعادته من منظور لا علاقة له بما يجري في هذا العالم ، منظور لا يرى سوى عظمته هو وتفوق العراق تحت رأيته هو . تحدث عن ضرورة قراءة تأريخ العراق وكيف حكم الملوك العراقيون المنطقة من مصر إلى بلاد فارس وسورية وجزء من تركيا . ثُمَّ عن دور العراق وحركته في العالم وكيفية وضع أسبقيات بموجب أين يكون وزننا أكثر تأثيرًا وعلى أي من الدول لكي نتحرك عليها …….

الكويتيون وترسيم الحدود

يضيف صدام:»ما زلت أقول أنها العشرة الأخيرة من رمضان، هل كان أحد يتصور بأن الكويتيين بعد الذي جرى لهم أن يقوموا بما قاموا بما يجعل كل عراقي الآن وفي المستقبل عندما يذهب للحدود مع الكويت وينظر ويقول : يحتاجون لراشدي آخر (ضربة على الوجه ) ، نعم الآن الوضع الدولي مؤات لهم وعندما توضع السياسات على ضوء الوضع المؤاتي ، يذهب ظرف ويأتي ظرف آخر غير مؤات ، لقد ارتكبوا خطئًا تأريخيا . كان يمكن أن يكتفوا بالوضع السابق للحدود ولكنهم ارتكبوا نفس الحماقة التي ارتكبها خميني . خميني بعد المحمرة كان يمكن أن يقول هنا قف) وان العراقيين طردناهم من إيران».

هروب حسين كامل

وفي 8/8/ 1995هرب حسين كامل إلى الأردن ، ويبدو إن تخوفاً قد ساد في بغداد من أنه سيفضح بعض الأمور السرية التي لم تعلن عن برامج التسليح مما حدى بقيام الجهات العراقية باستدعاء أيكيوس على عجل قبل أن يلتقي مع حسين كامل في عمان ، وتسليمه أكداس الصناديق المملوءة بالوثائق والتي كان حسين قد خزنها في مزرعته الخاصة . أن حسين كامل لا يمكن أن يكون قد احتفظ بهذا الكم الهائل من الوثائق بدون علم أو موافقة الرئيس ، بل إن جهوده السابقة ومنذ البداية لإخفاء المواد الخاصة بالسلاح النووي على شاحنات كانت بإشرافه وبعلم وتوجيهات الرئيس دونما أي شك.

ويضيف السفير حمدون في مكان آخر من المذكرات: «كانت عملية هروب حسين كامل من العراق وما رافقها من أجواء إعلامية ذات تأثير سلبي على آفاق الحوار التي كانت تتفاعل منذ زيارة عضو الكونجرس الامريكي ريتشادسون إلى بغداد. فمن جهة كان معظم المراقبين يعتقدون إن إحدى أهم ركائز النظام قد أنهارت مما جعلهم يترقبون مصير الحكم وكأنه آيل للزوال . فكيف يمكن الحكومة أن تتبنى حوارا مع نظام سائر للزوال ، ومن جهة أخرى فإن القوى من ضمن الإدارة التي كانت أصلاً معارضة لفكرة الحوار مع بغداد قد نشطت وضغطت على الرئيس بالاتجاه الآخر مستفيدة من هروب حسن كامل والتي بدوره أثار قضية عدم تعاون العراق السابق الذي أكدته آلاف الوثائق التي كشفت بعد الهروب والتي إضطر العراق إلى تسليمها بعد ذلك بما فيها الكشف عن البرنامج البايولوجي للعراق والذي بقي مستورًا بحجة إن العراق لم يصل مرحلة الإنتاج والتسليح وإنما كان في إطار البحث . كل ذلك آذى مصداقية العراق الضعيفة أصلاً».

إيكيوس يبرئ كامل

في 25/8/1995 التقيت مع أيكيوس في مكتبه . قال إنه فرح لنتائج زيارته الأخيرة إلى بغداد التي أدت إلى حصوله على معلومات ووثائق في غاية الأهمية يأمل أن تغلق كافة الثغرات السابقة . وهو يأسف لأنّ هذه المعلومات لم تقدم سابقا إذ لكانت سرعت كثيرًا من انتهاء عمله ولساعدت كذلك مصداقية العراق . قلت له ولكنك تم إبلاغك بأن حسين كامل كان يخفي هذه المعلومات والوثائق . ابتسم بخبث وقال بأن طارق عزيز قال بتصريح له مؤخرًا بأن حسين كامل لم يكن له علاقة بالقرار السياسي ، في حين كان عزيز يؤكد سابقاً بأن قرار تدمير الأسلحة البايولوجية وهو قرار سياسي قد تم في تشرين الأول 1990 فكيف يكون حسين كامل مسؤولاً إذن عن إخفاء حقيقة إن البرنامج استمر إلى ما بعد الحرب .

ويضيف السفير نزار حمدون أنه اتصل به صديقه طالب شبيب من عمان في 30 / 11 / 1995 … وقال بأن حسين كامل إتصل معه هاتفيا أكثر من 12 مرة وهو يحاول الحصول على تأييده ، وإن سورية بدأت تغير رأيها الأول عن حسين كامل بعد أن تأكدت إنه لم يقدم ما يمتلك من معلومات عن العراق للأمريكان وزيارته لدمشق قد تحدث قريبًا . سألني طالب عن رأيي بحسين كامل فقلت له بأنه سبب رئيسي للبلاء في العراق . وقد تجنبت الخوض بأية تفاصيل بسبب إن المكالمة لا بد وتكون مسجلة من السوريين.

بين واشنطن ونيويورك

السفير نزار حمدون اختار -بعد حديث حافل في كتابه عن الكثير من المواقف والصور- أن يقيم نفسه قبل غيره، للتاريخ، فقال:»إنني أعتبر مرحلة عملي السابقة في واشنطن وبكل القياسات نجاحاً دونها أدنى شك، أما مرحلة عملي في نيويورك فمن الصعب إطلاق صفة النجاح عليها، كما لا يمكن أيضا إطلاق صفة الفشل . لقد نجحت - كما أعتقد - في تمثيل العراق (كما هو ) في أصعب فترات علاقته مع المجتمع الدولي في الأمم المتحدة، وفشلت في تحقيق الأهداف المعلنة العامة للبلاد كما يفهمها العراقيون وهي رفع الحصار الاقتصادي ، وهو أمر استحال بسبب السياسة الرعناء التي أعتمدت في بغداد منذ البدء في التعامل مع ملف نزع السلاح بكل جوانبه».

 

نزار حمدون في سطور

 

- ولد في الموصل عام 1944وتوفي في نيويورك عام 2003

- شغل منصب السفير العراقي لدى الولايات المتحدة في واشنطن بين عامي 1984-1988

- شغل منصب ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك بين عامي 1992-1998

- انتهى عمله الدبلوماسي مع بدء القصف الجوي للولايات المتحدة في عهد كلينتون لعدم تعاون العراق مع لجان التفنيش


مشاهدات 46
الكاتب عمر علي حيدر
أضيف 2025/05/14 - 4:26 PM
آخر تحديث 2025/05/15 - 6:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 349 الشهر 18234 الكلي 11012238
الوقت الآن
الخميس 2025/5/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير