الذوق تلك البوابة متعدّدة الأبعاد نحو السعادة
محمد غاني
يعد الذوق و التذوق في نظرنا بأشكاله المتنوعة جسرا حيويا لتحقيق السعادة، حيث تتداخل التجارب الحسية والفكرية لتشكيل لوحة متكاملة من البهجة و الرضا والأنس. فمن تذوق انواع الوجبات الراقية إلى التفاعل مع الأعمال و اللوحات الفنية، ومن انغماس الفكر في الأفكار العميقة إلى دفء اللمسات الإنسانية ومن ثم الى النفحات القدسية التي تهب على القلوب الذاكرة لله سبحانه و تعالى.
تُسهم هذه العناصر مجتمعة في تعزيز ابعاد رفاهية الفرد و المجتمع وإثراء حياته في بعديها الحسي و المعنوي و الفردي و الجماعي.
ان الطريق إلى السعادة في نظرنا يبدأ من الحواس، حيث يُشكل الاستمتاع بالطعام الشهي أحد أبرز مظاهر البهجة اليومية. لا يقتصر الأمر على إشباع ذلك الاحساس بالجوع، بل يتعداه إلى تذوق النكهات المتناغمة في مختلف المناسبات التي تجمعنا كقطاعين متكاملين، مما يرفع تجربة الأكل إلى مستوى فني. كما أن الاستماع إلى المقطوعات الموسيقية الراقية، وفهم دقة اللحن وتناسقها، يغذي الروح ويحقق إشباعاً عاطفيا وعقليا. فالفنون بجميع أشكالها تذكي المشاعر وتعمق الإحساس بالجمال، مما يزيد من الشعور بالسعادة.
لا تقل المتعة الفكرية أهمية عن نظيرتها الحسية، فالتفاعل مع الأفكار العميقة عبر القراءة أو الحوارات الاشارية الذكية بين أولي النهى يحفز العقل ويوسع الأفق.
لا غرو ان تقديم الحجج المنطقية المعقدة والانفتاح على وجهات النظر المبتكرة يثري الفهم ويعزز النمو المعرفي، مما ييضيف بُعداً جديداً للسعادة القائمة على الفهم والاستكتشاف.
تلعب التجارب اللمسية دورا أساسيا في تعزيز السعادة، سواءً من خلال دفء عناق عزيز عليك أو نعومة لبس قطعة قماش مريحة. هذه التفاعلات و إن بدت بسيطة فإنها ان دلت على شيء فإنما تدل على أهمية الاتصال البشري حسا و معنى في بناء مشاعر الأمان والفرح.
بجانب هذه الأبعاد كلها، يبرز الذوق القلبي كبعد حاسم في تحقيق الشعور بالسعادة العميقة. يتجلى ذلك حتما في التعاطف مع الآخرين، وفي الاستمتاع باللحظات الصغيرة التي تمنحنا إياها الحياة، مثل ابتسامة طفل أو غروب شمس أخاذ أو رائحة قهوة صباحية ماتعة.
ان الذوق القلبي يُعلمنا أن السعادة لا تكمن في الترفيه عن الحواس فحسب، بل في القدرة على رؤية الجمال حتى في التفاصيل الصغيرة، و من ثم القدرة على تحويل اللحظات العابرة إلى ذكريات خالدة.
إن تنمية الذوق بجميع أشكاله الحسي والفكري واللمسي والقلبي يسهم في خلق حياة غنية ومتوازنة. من خلال الانخراط الواعي في العالم من حولنا، و الاستمتاع بكل ما يقدمه من إمكانات للبهجة و المتعة و التذوق الواعي، فنستطيع أن نعيش بسعادة أعمق، مليئة بالرضا والامتنان. فالسعادة الحقيقية في نظرنا ليست مجرد شعور عابر، بل هي ثمرة إدراك واع وحضور دائم في الاستمتاع باللحظة والآن.