الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السياسة العامة وخيارات العراق

بواسطة azzaman

السياسة العامة وخيارات العراق

مصطفى محمود جلال 

 

في عالم يشهد اليوم تغيرات غير منضبطة ومضطربة سياسياً , حيث تلعب البيئة الجيوسياسية دورًا حاسمًا في تشكيل السياسة العامة للدول , ولا سيما تلك الدول التي تقع ضمن محيط جغرافي مضطرب سياسيًا وإقتصادياً , إذ تواجه هذه الدول تحديات معقدة تتمثلبتهديدات أمنية , وتدخلات إقليمية, وتغيير في التحالفات، وضغوط اقتصادية.

وفي إحتدام المفاوضات في الوقت الراهن بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية , وماسبقها من عملية إسقاط النظام السياسي في سوريا عسكرياً , يمثل موقع العراق الجغرافي نقطة لتشابك المصالح بين أطراف النزاع والتغيير , فكيف يتعامل صانع القرار السياسي العراقي في ظل هذه التحديات ؟ 

في هذا المقال, نستعرض الكيفية التي تُصنع بها السياسة العامة في مثل هذه السياقات, من خلال تحليل الإطار المفاهيمي, واستعراض نماذج ناجحة وأخرى فاشلة لدول واجهت ظروفاً جغرافية مضطربة ومشابه .

     _ ماهية السياسة العامة :

عرف(توماس داي) السياسة العامة بأنها: ( العلاقة بين الوحدة الحكومية وبيئتها، فهي تعبير عن كل شيء تقوم به الحكومة , أوهي تقرير أو اختيار حكومي للفعل أو عدم الفعل), وعلى ذلك تشمل السياسة العامة أداء الحكومة بالفعل أو بالامتناع عن القيام بفعل ما,بمعنى أنها:(كل ما تفعله وما لاتفعله الحكومة), ويرى (جيمس اندرسون) السياسة العامة بأنها: (برنامج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو جماعي في التصدي لمشكلة أو لمواجهة قضية أو موضوع) .

- معضلة الجغرافية وتحديات صنع السياسية العامة 

في بيئة مضطربة سياسيًا, تتأثر عملية صنع السياسة العامة وإتخاذالقرار السياسي بمحددات عدة , ولعل من أهمها يتمثل بتهديد الأمن الوطني للدولة من خلال تصدير تهديدات عابرة للحدود مثل الأرهاب , كذلك تمثل عمليات الضغط التي تقوم بها اللوبيات الدولية والإقليمية تحدي بالغ الأهمية في التأثير على عملية صنع السياسية العامة , كذلك من تحديات صنع السياسية العامة تعدد الهويات الفرعية والإثنيةلاسيما لدولة مثل العراق متعددة الأديان والقوميات , خصوصاً عندما تكون هذه الهويات غير منصهرة بشكل كامل في هوية وطنية جامعة , ومن التحديات المهمة الأخرى , عملية تشابك المصالح بين بعض المؤسسات غير الرسمية داخل الدولة مثل الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والمصالح التي تكون لها صداقات أو مصالح مشتركة مع دول أقليمية أو دولية سواء بشكل فردي من خلال عضوية أفرادها أو بشكل جماعة كمنظمة ممولة مالياً ومعبئة أيدلوجيا مع توجهات دول أخرى . 

_ نماذج متضادة ومختارة

الأردن: التوازن والحياد

رغم وقوع الأردن في محيط جغرافي مضطرب (سوريا، العراق، الكيان الغاصب/فلسطين)، تمكنت المملكة الأردنية من الحفاظ على استقرارها السياسي النسبي عبر تبني صانع القرار السياسي لسياسة خارجية متوازنة وغير تصادمية وأخرى داخلية تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في الحفاظ على أمن الدولة سياسياً وإقتصادياًوإجتماعياً . 

اليمن: عقدة الجغرافية وضعف القرار السياسي الوطني 

لدولة اليمن جغرافية مضطربة سياسياً وإقتصادياً تتمثل بـ(السعودية، عُمان، القرن الإفريقي), مع وجود تدخلات خارجية وتناقض داخلي في مراكز السلطة, أدى إلى هشاشة مؤسسات الدولةو صعود الجماعات المسلحة وغياب سياسة عامة موحدة تخدم المواطن وتساهم في الاستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي , ولعل لبنان نموذج مشابه لليمن ويقع بالضد من نموذج الأردن .

خيارات صانع السياسية العامة في العراق 

عندما تواجه الدول إضطرابات عسكرية وسياسية وإقتصادية مجاورة , يقع على عاتق صانع القرار السياسي مسؤولية صياغة سياسات عامة وإتخاذ تدابير استراتيجية دقيقة للحفاظ على أمن بلاده واستقرارها , ويمكن تقسيم هذهِ التدابير على محاور رئيسة عدة : 

1. الحياد الإيجابي وتفادي الانخراط كطرف في النزاع 

يُعتبر الحياد الإيجابي أحد الخيارات المتاحة لصانع السياسية العامة ، حيث تمتنع الدولة عن المشاركة في النزاع أو تقديم الدعم لأي طرف,مع الالتزام بالوساطة الدبلوماسية لحل النزاع سلمياً. هذا النهج يُمكّن الدولة من الحفاظ على علاقاتها مع جميع الأطراف وتجنب التورط في الصراع , فعلى سبيل الذكر لا الحصر قبيل سقوط النظام السياسي في سوريا ببضعة أيام ومع سقوط المحافظات بالتتابع كانت هنالك مطالب بالدعم والإسناد للنظام السوري , إلا ان موقف الحكومة الرسمي كان ( عدم التدخل في شؤون سوريا الداخلية ونحترم قرار الشعب السوري ) وربما إنعكس هذا التصريح لاحقاً في العلاقات الثنائية مع حكومة سوريا الجديدة وإن كانت العلاقة تشوبها حالة كبيرة من الحذر إلا أننا شهدنا تحركات دوبلوماسية وأمنية بين الجانبين .

2. التحوط الإستراتيجي وتوازن العلاقات

يتضمن التحوط الاستراتيجي إقامة علاقات متوازنة مع جميع أطراف النزاع ، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع الدول المجاورة ، وفي الوقت ذاته بناء شراكات أمنية وإقتصادية مع قوى إقليمية أو دولية, هذا التوازن يُساعد في تقليل المخاطر المحتملة على الدولة ويدفع بإتجاه مقبوليتها دولياً .

3. إحتواء التوتر والمشاركة في جهود السلام

يمكن لصانع السياسية العامة أن يضع الحكومة في حقل الدولة كلاعب وسيط بين الأطراف المتنازعة، مستفيداً في ذلك من الموقع الجغرافي والعلاقات الاقتصادية ، للمساهمة في تخفيف التوترات والعمل على حل النزاع سلمياً أو على الأقل بعيداً عن النزاع المسلح .

4. تعزيز القدرات الدفاعية والأمنية

من مساهمات السياسة العامة أيضاَ في بيئة مضطربة , تعزيز القدرات الدفاعية والأمنية للدولة, بما في ذلك تدريب القوات المسلحة وتطوير الدفاعات السيبرانية، لمواجهة التهديدات المحتملة وضمان جاهزية الدولة للتعامل مع أي تطورات, خصوصاً تلك المؤدلجة لتعبئة الجماهير وإحداث الفوضى وهذا مايقع على عاتق الأجهزة الأمنية الحساسة كجهاز المخابرات الوطني وجهاز الأمن القومي في الكشف والردع قبل وقوع المخاطر المفتعلة . 

الخاتمة :

في خضم بيئة جيوسياسية تتسم بالتوتر والإضطرابات الأمنية والإقتصادية تبرز لدينا أهمية صنع السياسية العامة وتبني الخيارات لقراراً سياسياً يسمح بالإتزان بين المطالب الداخلية ومتطلبات إحتواءالاستقرار الإقليمي والدولي بالشكل الذي يساهم في عملية ردع المخطار عن أمن الدولة وشعبها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً , وإن تبني هكذا سياسات وإستراتجيات يحتاج الى التنسيق وتحديد الأدوار والأهداف بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وإشراك الفاعليين في المجتمع داخل الدولة و الدولة الصديقة في الخارج في عملية الدعم والمباركة للخيارات والقرارات المتخذة .

 باحث وأكاديمي / مركز الدراسات الإستراتجية جامعة كربلاء

 


مشاهدات 53
أضيف 2025/04/27 - 4:08 PM
آخر تحديث 2025/04/28 - 5:29 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 258 الشهر 30129 الكلي 10910776
الوقت الآن
الإثنين 2025/4/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير