الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هذه أرضي .. هنا وطني هذا إيماني.. هنا شهادتي (3-3)

بواسطة azzaman

هذه أرضي .. هنا وطني هذا إيماني.. هنا شهادتي (3-3)

بيوس قاشا

 

مسيرة تاريخية تناقصية

ابتدأت المسيرة المؤلمة منذ دخولنا عتبة الألف الثالث (2001) وما حصل في 11 أيلول كان سبباً للهلع والخوف والمصير وبداية الربيع العربي القاتل وازدادت في الثمانينات. كان تعدادنا ما بين المليون والمليوني نسمة ثم انخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة خلال فترة التسعينات وحرب الخليج الثانية. وبعد احتلال العراق عام 2003 بدأت أعدادنا بالتناقص، ولوحظ انحسار كبير لوجودنا في العاصمة بغداد، فقدّرت المنظمات الدولية عدد المهاجرين المسيحيين من العراق بأكثر من (850) ألف مسيحي خلال الأعوام العشرة الماضية. فهُجّرت الآلاف من العوائل المسيحية من بيوتها عنوةً وعلناً أمام أنظار الحكومة وأمام أنظار المجتمع حتى أصبحت مدننا شبه خالية.

لذلك نحن مدعوون إلى إبراز هويتنا ووجودنا وحقيقة حضورنا، عبر الوحدة والكلمة وليس عبر حمل الحقائب والرحيل إلى حيث أرض الله الواسعة ومغريات الهجرة إلى خارج العراق، وعلى ما يبدو هناك مصالح لأشخاص وأحزاب واتجاه لإفراغ البلد من سكانه الأصليين.

إنها نظرة خاطفة وسريعة على أوضاع أبنائنا المسيحيين في شرقنا، تبيّن لنا الحجم المخيف والمروّع للمعاناة والمآسي والمذابح التي تعرضوا - ولا زالوا يتعرضون - لها بسبب انتماءاتهم الدينية ومعتقداتهم ومبادئهم السلمية أمام أنظار العالم ومسمع حقوق الإنسان.

دروب الزمن

أيليق بنا أن نتحدى وضعنا بحمل حقائبنا وببيع أملاكنا وبيوتنا والهجرة إلى البعيد البعيد شهادةً. لماذا ولمن!!!؟ ألا يجب علينا أن نكون بذاراً صالحة لأجيالنا فتكون شهادتنا هي حقيقتنا، ولا يجوز أن نبقى تائهين على دروب الزمن، ومهاجرين وحاملين همومنا وبلايانا وصلباننا من أجل اللجوء والتوطين، وبذلك نقلع جذورنا من أرض أجدادنا، ونفرغ كنائسنا التي علينا واجب إنعاشها وحمايتها لتواصل مسيرة الإنجيل الخلاصية مسارها؟.

نعم، رغم كل النداءات والدعوات التي يطلقها رجال الدين وغيرهم، فإن هجرة المسيحيين من العراق لا زالت مستمرة بشكل مخيف، وسبب ذلك معروف وواضح ولا يحتاج لتوضيح أو تفسير. إن الهجرة تستنزف وجودنا وتسدّ آفاق مستقبلنا، ونحن نفتخر بأننا شرقيون مسيحيون ولسنا مسيحيين من الشرق، فنحن لسنا أقلية بل نحن سكان أصليون، لنا تاريخ أصبح جزءاً من تاريخ الشعوب. كنا ولا زلنا بُناة حضارة بلاد الرافدين والنيل، وساهمنا في نهضة اللغة والثقافة والمجتمع.  فمسيحيتنا غِنىً لشرقنا ولا يجوز إنكار ذلك، فنحن منه وله ومن أجله. لا يليق أن تكتظّ بوابات السفارات الأجنبية بنا خفيةً وبصورة لا يعلم بها إلا سبحانه وتعالى، ولا يسمع بها الجيران والأحبة وآل البيت، بطلبات اللجوء والهجرة، وكأن العراق كله يهاجر هرباً من فقدان الهوية والفوضى والانهيار، ولكن من بين العراقيين مَن شهدوا هجرةً لا مبرر لها ونزوحاً لا سابق له مع إنهم جذوة العراق. فإنْ كان هناك أصوات تدعونا إلى أن نهمل البلاد ونغادرها بطرقٍ شتى وبسبلٍ مختلفة عبر منابر الزمن وسلاطين الدنيا وعبيد الكراسي بحجّة لمّ الشمل وحقوق الآخر، فالكنيسة ستبقى الشاهدة الأمينة مع أبنائها الأمناء على حقيقة الكرازة في أرض الوطن، ولكن أنادي قائلاً: أوقفوا نزيف الهجرة... أوقفوا هجرة المسيحيين عن العراق وسوريا ولبنان ومصر بل والشرق الأوسط بأكمله.

نعم ... لنحافظ على أرضنا

الصمت والسكوت عن جرائم تُرتَكَب بحقنا ما هو إلا انسحاب غير مشرّف من المواجهة الحقة. والصمت ليس حياداً، إنه سكوت عن فساد وظلم وجريمة. فالأعداء لا يريدون أكثر من سكوتنا وصمتنا، وينشرون هم القتل والدمار والتنكيل. أيجوز أن نبقى على هذه الحالة وستبقى أوطاننا مرويّة بدمائنا، وتبقى مناجلنا سيوف مكسورة، ويبقى الغرب يشتري ضمائرنا ليحوّل حقولنا إلى مزرعة أشواك وعوسج وعلّيق؟.

نعم، لنحافظ على أرضنا، فنحن لا قيمة لنا دون وطن يحمينا وليس يأوينا، وكفى أن نعيش مذلّة الغربة بلفة همبركر وعلبة بيبسي. فضياعنا ضياع لحضارتنا وأرثنا وتراثنا، وانقراضنا الحتمي آتٍ إذا تساهلنا في هذه المسيرة واستسهلناها خلال السنين القادمة، وسننصهر في أجيال وكيانات دون أن ندري. فالموت بكرامة حياة شاهدة، راية تعلن حقيقة الوجود، والموت في أرض الآباء والأجداد لا بدّ أن ينبعث من جديد، والانبعاث سيكون أخضراً مثمراً زاهراً إذا ما كانت إرادة البقاء مُلكنا وفي يدنا وفي عمق حسّنا الإيماني، والحياة في الغربة موت إلى الأبد.  ما علينا إلا بالصبر، شبيه أيوب، وحتى قبول الموت من أجل البقاء في أرضنا وأرض أجدادنا وآبائنا. وإنْ بقينا اليوم بقية باقية، فكما قلتُ سابقاً، ما نحن إلا شهود وشهداء، وما نحن إلا خميرة لا تَفسد. فالوطن لا يُشترى بالعيش الرغيد والنوم الهانئ وسعادة الرحيل، إنما بالشهادة في حمل الصليب والإيمان، بعيش المسيحية والثبات في أرضه، كي نخصّبه ونرويه ونسقيه، وتسكنه أجيالنا أمانةً منا إليهم، ووفاءً منا لآبائنا وأجدادنا والذين سبقونا وقبورهم شاهدة على عطائهم وبقائهم وعرقهم ودمائهم.

الخاتمة

سأبقى أُنشد كفانا أن نكون أرقاماً هزيلة وشواهد شاخصة، فأنا لستُ لاجئاً في بلدي، أنا مسيحي ابن هذه الأرض الطيبة التي رويتُها بعرق جبيني وسواعدي، وحملتُها حباً في أعماق فؤادي، وزيّنتُها بدماء بريئة. لماذا الخوف؟ ألم يقل نبي الرجاء وخادم الله يوحنا بولس الثاني:»لا تخافوا ولا تستحوا أبداً عندما يجب أن تدافعوا عن حرياتكم وخاصة عن حرية القيم الإنجيلية التي تحيونها معاً»؟.

ما نحتاجه إلى تعبئة روحية ونظرة جريئة وبعيدة المدى في معنى وجودنا، وإلا عبثاً نحتمي خلف أنظمة ونتحصّن وراء ضمانات ونتطلّع إلى حمايات وسياجات، وعبثاً نسعى إلى تثبيت وجودنا على أرض نظنّها ثابتة تحت أقدامنا إذا لم نسمع كلمة الرب في أن ننعش إيماننا، فالروح - حسب اعتقادي - قد ابتعد عن مسيرة دعوتنا، وصوت الرب يوقظنا قائلاً:»حتى متى أكون معكم يا قليلي الإيمان؟» (لوقا25:8).

إننا أبناء الرجاء، فلماذا نخاف - نعم نحن - من الاضطهاد؟ فعيشنا في الشرق كوننا جذور المسيحية الأصيلة، ونعيش الصليب، وبعد الصليب قيامة، حيث سيتعرف كل الشرق إلى وجه يسوع المسيح، لذلك علينا أن نؤمن أننا الخميرة ولسنا أرقاماً أو نسبة، ونحن لسنا من اللاجئين بل أنا مسيحي من بلدتي وقريتي ومدينتي وحارتي ووطني، وهذه رايتي.

فنحيا شهادتنا حسب قول الكتاب:»فما نحتاج إليه من حرية وشجاعة، شهادة منا لما نحن عليه من رجاء» (1بط 15:3) نحن عراقيون قبل أن نكون مسيحيين، وهذه هويتنا ونعتزّ بها، واعتزازنا بمسيحيتنا وببلادنا ما هو إلا حرص على أمنه واستقراره.

وهذه رايتي، أحملها ليس نفاقاً ولا كبرياءً مزيفاً بل أحياها حباً ووفاءً وعطاءً لأصولي وأصالتي، وستبقى الحقيقة شاهدة مهما تجبَّر كبار الدنيا ورجال الزمن، وجعلوا لهم آلهة من دنياهم وأزمنتهم.

نعم سأبقى أُنشد «هذه أرضي... هنا وطني... هذا إيماني... هنا شهادتي»... إنها انشودتي حتى مماتي، فلا نخف فالرب معنا حتى النهاية... نعم وآمين.

 مسؤول كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك

 

 


مشاهدات 60
الكاتب بيوس قاشا
أضيف 2025/04/26 - 3:44 PM
آخر تحديث 2025/04/27 - 10:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 532 الشهر 29206 الكلي 10909853
الوقت الآن
الأحد 2025/4/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير