زهير كاظم عبود..كفاحه العلمي ونزاهته في القضاء
محمد علي محيي الدين
تسلمت قبل أيام على سبيل الإهداء آخر ما صدر للقاضي زهير كاظم عبود، وهو كتابه (مهنتي قاضي) الصادر عن دار الفرات للثقافة والأعلام في الحلة في بداية هذا العام، والكتاب يقدم تجربة لكفاح مرير، ومواجهة قاسية مع المصاعب التي تواجه الانسان في حياته من أجل الوصول الى ما تصبو اليه نفسه، ويهفو له فؤاده، في رسم مستقبل وضاء. يُعد القاضي زهير كاظم عبود من الشخصيات البارزة في مجال القضاء العراقي، حيث عُرف بنزاهته واستقامته وسعيه الدؤوب لتحقيق العدالة. لم يكن طريقه نحو النجاح سهلًا، فقد واجه العديد من التحديات في سبيل حصوله على الشهادة الجامعية ومن ثم شق طريقه في المجال القضائي. ومن خلال مسيرته الحافلة، قدّم نموذجًا مشرفًا للقاضي النزيه الذي يضع العدل فوق كل اعتبار. وُلد زهير كاظم عبود في مدينة الديوانية وعاش في بيئة متواضعة، حيث لم تكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية في صالحه، لكنه ذلك لم يكن عائقًا أمام طموحاته. منذ صغره، أدرك أن العلم هو السلاح الأقوى للنجاح، فحرص على متابعة دراسته رغم العقبات التي واجهها. عمل في وظائف متعددة لدعم نفسه ماديًا خلال دراسته الجامعية، متحليًا بالإصرار والعزيمة حتى تخرج في كلية القانون، ثم رشح في المعهد القضائي لتأهيله للعمل في المحاكم. لم يكن حصوله على الشهادة مجرد إنجاز شخصي، بل كان خطوة أساسية في رحلته نحو تحقيق العدالة وخدمة المجتمع. اجتهاده ومثابرته جعلته قدوة للشباب الطامحين في تحقيق أحلامهم رغم الظروف الصعبة. بعد تخرجه، طريقه في سلك القضاء، حيث عمل بجد وإخلاص ليكون نموذجًا للقاضي العادل. كانت نزاهته من أبرز صفاته، إذ لم يكن يقبل بأي شكل من أشكال الفساد أو المحسوبية. آمن بأن القضاء يجب أن يكون حصنًا للحق والعدل، فحرص على تطبيق القوانين بنزاهة تامة بعيدًا عن أي مؤثرات خارجية. تميز بأسلوبه الحكيم في إدارة القضايا وإصدار الأحكام، حيث كان يستند إلى الأدلة والحقائق دون أي تحيز. لم يخضع لأي ضغوط سياسية أو اجتماعية، ما جعله يحظى باحترام واسع في الأوساط القانونية والشعبية. وكانت قراراته تمثل العدالة الحقيقية، ما جعله رمزًا يُحتذى به في النزاهة القضائية، يضاف لذلك لغته القانونية وسلامتها اللغوية في تحرير القرارات، ما جعلها تمر بانسيابية في محاكم التمييز .وقد توفرت فيه كافة الصفات التي تؤهله للنجاح في السلك القضائي، ولقد تمتع بمجموعة من الصفات والشروط الأساسية، ومن أبرزها:
-النزاهة والاستقامة: فهو بعيد عن أي شكل من أشكال الفساد أو المحسوبية، وكان ينظر القضايا بموضوعية وحذر لتكون أحكامه صائبة غير قابلة للطعن وبعيدة عن التحيز.
تحليل القضايا
-الكفاءة العلمية: كان ملمًا بالقوانين والتشريعات، وقادرًا على تحليل القضايا بشكل دقيق، لما يمتلك من خبرة في هذا المجال بحكم عمله في المحاكم قبل دخوله السلك القضائي، وما يتمتع به من قدرة على التحليل والتمحيص في الحوادث الجنائية، لاهتمامه المسبق بقراءة القصص والروايات البوليسية التي تعنى بالجرائم وطرائق كشفها وكيفية الوصول الى النتائج الصائبة في كشف الجريمة .
تتمة الموضوع على موقع (الزمان) الالكتروني
-القدرة على اتخاذ القرار: وكان حاسمًا في إصدار الأحكام ومستندًا إلى الأدلة والبراهين، لتكون أحكامه بعيدة عن المطاعن، لاكتمالها من كافة النواحي القانونية والجنائية .
-الصبر والحكمة: وكان يتعامل مع القضايا المختلفة بصبر وحكمة لتجنب أي قرارات متسرعة، لا تكون في مصلحة الحكم أو فيها ثغرات يمكن الطعن بها، أو الاعتراض عليها .
-الحياد والموضوعية: وهو موضوعي في نظرته للقضايا، وألّا يتأثر بأي اعتبارات شخصية أو خارجية، بل يعتمد القانون فيصلاً في أحكامه، والوقائع طريقاً للحكم، مع مراعاة الجانب الانساني وظروف المتهم، والابتعاد عن الجمود في تطبيق القوانين.
-التواصل الجيد: ويمتلك القدرة على التواصل بوضوح مع المتقاضين والمحامين، وهو ما يسهم في تحقيق العدالة بطريقة أكثر فاعلية، ترضي جميع الأطراف لاعتمادها على الوقائع التي لا يمكن دحضها أو الطعن فيها.
-الالتزام بالأخلاقيات المهنية: وكان يتحلى بأخلاقيات عالية تعزز من مكانته واحترامه في المجتمع، معتمداً في ذلك على خبرته القانونية والتربوية التي أكتسبها بمرور الأعوام بحكم تعامله معها في أطوار مختلفة من عمله في هذا المجال.
لكل ما تقدم يعتبر القاضي زهير كاظم عبود مثالًا يُحتذى به في المثابرة والنزاهة، حيث أثبت أن العدل ليس مجرد وظيفة، بل رسالة سامية تتطلب جهدًا وتفانيًا، ومسيرته تبرز أهمية القيم الأخلاقية والمهنية في مجال القضاء، وتشكل مصدر إلهام لكل من يسعى ليكون جزءًا من منظومة العدالة الحقيقية، وسيبقى اسمه علامة مضيئة في تاريخ القضاء العراقي، ودليلًا على أن النجاح الحقيقي يتحقق بالاجتهاد والنزاهة.