الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هــذه أرضـي هنــا وطـني.. هذا إيماني ... هنا شهادتي

بواسطة azzaman

هــذه أرضـي هنــا وطـني.. هذا إيماني ... هنا شهادتي

بيوس قاشا

 

آباؤنا البطاركة

في مقالٍ قديم كنتُ قد سطّرتُه على المواقع الإلكترونية حينها، وفي بعض فقراته سطوراً من رسالة أصدرها آباؤنا الأجلاء البطاركة وعنوانها «الكنيسة وأرض الوطن» جاء فيها: أرض شرقنا مرويّة بدماء شهدائنا، عاش عليها آباء كنائسنا وقديسوها، وهي مهد الحضارات والأديان ومنبت الكنائس والأديار التي منها أخذنا هويتنا وإيماننا وحضارتنا. وحضورنا في هذا الشرق حيث أرادنا الله، يقتضي منا الأمانة للمسيح والتزام الشهادة لمحبته وتطبيق مبادئ إنجيله المقدس. ومهما تفاقمت الصعاب فإن لنا علامات رجاء ساطعة، فيما لكنائسنا من غنى روحي وثقافي واجتماعي ووطني» (مؤتمر البطاركة السادس عشر بزمّار – لبنان، 16-21 تشرين الأول 2006 ).

لنعلم جيداً أنه لا أحد يحرّك ساكناً ليحمينا في حقيقة الواقع، فالأصوات التي تحمل إرادة طيبة وانفتاحاً نحونا في الداخل هم أكثر من أولئك الذين يسمعون إلينا في الخارج. والذين يسجّلون في دفاتر ملاحظاتهم هم أسرار ليس إلا لما نعانيه، ولكن مخططاتهم لا علم لنا بها إلا ربّ السماء.

ضلم وجريمة

وأما في الداخل يريدون لنا خيراً، ولكن الخوف أحياناً يملأ قلوبهم بسبب مجتمعهم أو أصولييهم فتضيع الحقيقة ويبقى السكوت والصمت جالسان على عرش الاضطهاد أمام ملأ الدنيا. والصمت هنا ليس حياداً، إنه سكوت عن فساد وظلم وجريمة. وتسير قافلتنا ونحن عبيد، أما لهؤلاء وأما لأولئك، والحل يكمن في الأخير في الرحيل والهجرة وبيع الممتلكات خوفاً من! فلا أمل في العودة ولا حقيقة في الحياة، وهذا ما يدعونا إلى أن نفهم واقعنا جيداً حتى لو كان واقع يشهد الموت المرير، المهم أن نتعلم كيف نكون حكماء، فنخرج من هبوب الإعصار ورياح الإضطهاد والدمار إلى حياة الشهادة، حاملين حبنا لأرضنا، وقلوبنا تفيض بِنِعَم إيماننا ولا أجمل. فاليوم معركة الوجود أعتى من أي سلاح يحمله الأشرار، فإمّا أن نوجد كشعب مسيحي في أرض الله يسعى للسلام وإلى البناء، وإمّا أن نفنى ونموت وننكر أرضنا المشرقية ويضيع إيماننا وتضيع مسيحيتنا، وتُقلع أصولنا التي غنّينا لها آلاف السنين وزمّرنا بوجودنا فيها وأنشدنا تراتيل المحبة والإيمان والوطن. وسنبقى آثاراً في الذاكرة، ومن المؤسف ربما أضعناها بسبب خوفنا وفزعنا وعدم تلاحمنا، ومن ذلك حتى شجرُنا لم يعد يُذكر أصوله، ونهرانا نشفت مياههما وحلّت محلّها دموعنا وآهاتنا، وكأن الدنيا ضاعت ولم تعد، ونسينا إن دنيانا ليست هنا وإنما حيث لا يصل إليها سارق ولا يفسدها سوس (لوقا33:12). إنها الحياة الأبدية حينما يشرق وجه المسيح علينا، فيقيمنا بغلبة الانتصار على الموت بشفاعة دمائنا وقديسينا وشهدائنا. من المؤكد نحن نواجه قرار المصير والوجود الإيماني المسيحي بسبب استمرار الهجرة، فالوجود رسالة يدعونا إلى أن نكون أمناء إلى حسّنا الإيماني والوطني، وعلينا أن نختار بوعي وإدراك ومسؤولية بين أن نصبر ونتحمّل، ونحمل الصليب ومسيرة الألم والمصائب والمعاناة والمظالم، وأن نتقبّل حتى قرار الموت ونكون في بلداننا شهوداً وشهداء. هكذا فعل أجدادنا في الماضي وآباؤنا في القرن العشرين، وواجهوا حدّ سيوف الأعداء بقاماتٍ شامخة وبصدورٍ عارية، وبرقابٍ لا تنحني إلا لله. وعبر قراراتٍ ظالمة حملوا حقيقة المسيح الحي فيهم، وبدمائهم سقوا شجرة الحياة الوافرة، فكانت دمائهم علامة سلام ومحبة وينبوع خلاص، وحافظوا على وجودهم ودينهم المسيحي، فكنا نحن أحفادهم، تحدّوا الحياة كأبطال من أجل أرضهم وإيمانهم. نعم، دعوات مُحِبَّة من أجل البقاء، ومما لا شكّ فيه أن هذه الدعوات تحمل كلاماً جميلاً ونياتٍ بصور متعددة، وأهدافاً مختلفة ونوايا ومقاصد صادقة في معظمها أو في بعضها، كما صدرت نداءات مماثلة عن العشرات من القائمين في سلك المختارين من مسيحيين ومسلمين بتعدد طوائفهم وانتماءاتهم، ولم يستجب لها حاملو السيوف والبنادق، لأن المخطط أكبر من هؤلاء وأولئك، ولا زلنا في الربيع الدامي وهو ينتقل من عشيرة إلى عشيرة، ومن حارة إلى أخرى، ومن بلد إلى بلد ومن مذهب إلى آخر، وأصبح الجميع في المعركة من الخاسرين. وهُزمت الأوطان، وابتُليت الشعوب بفقر الحال والمال والحياة، فضاعت القِيَم وبيعت الحقيقة بأموال مسروقة، ودرهم النفاق والغش والرياء، برفقة دينار المصلحة والأنانية والمحاصصة والمحسوبية، ودُمّرت الحضارة، ورُفعت راية الموت وثقافته.

مظالم نتعرض لها بشكل شبه يومي، فالكراسي وكبارهم، كلّها وكلّهم، ليست سوى صفقات مشبوهة لتجميل الصورة أمام المجتمع الدولي، وخداع العامة وإسكاتهم مقابل تحقيق منافع ومصالح شخصية لا أكثر، ولإظهار الأنانية قبل أي شيء آخر، وفي ذلك قد أضاعوا السراط المستقيم - وإنْ كانوا له - وكما يشاءون.

يسوع ... أيقونة الاضطهاد

قال البابا فرنسيس:»إن الاضطهاد لم ينتهِ بعد موت وقيامة يسوع، بل استمرت المضايقات على الكنيسة، واضطُهدت من الداخل إلى الخارج. ثم إذا قرأنا حياة القديسين هم أيضاً عانوا الاضطهاد والعذاب لأنهم كانوا أنبياء». وقال أيضاً:»إن كل الناس المختارين من الروح القدس - ليقولوا الحقيقة ويعلنوها لشعب الله - يعانون الاضطهاد. ويسوع هو أيقونة الاضطهاد الذي أخذ على عاتقه كل اضطهادات شعبه وحتى اليوم»، وأضاف:»نحن نعاني عقوبة الإعدام أو السجن إذا وُجد الإنجيل في المنزل، أو تمّ تعليم التنشئة المسيحية في بعض المناطق.

 إن تاريخ الاضطهاد هو مسيرة الرب، ومسيرة كل مَن يريد اتّباع الرب، إنما ستنتهي هذه المسيرة بالقيامة مثل ما فعل الرب، لم تنتِه بالصليب» (9 نيسان 2014، القديسة مرتا).

وقال أيضاً:»لا وجود للمسيحية بدون الصليب. فالمسيحية هي شخص رُفِعَ على الصليب. شخصٌ أخلى ذاته ليخلّصنا، فلا وجود للمسيحية بدون الصليب، ولا وجود للصليب بدون يسوع المسيح، فالمسيحي الذي لا يفتخر بالمسيح المصلوب هو شخص لم يفهم معنى مسيحيته. هذا هو سرّ الصليب. فالصليب الذي نجده في كنائسنا وعلى المذبح ليس للزينة، وليس مجرد علامة تميزنا عن الباقين، بل الصليب هو سرّ، سرّ محبة الله» (القديسة مرتا، الثلاثاء 13 أيار 2014)... (وإلى القسم الثالث والأخير)

 مسؤول كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك

 


مشاهدات 75
الكاتب بيوس قاشا
أضيف 2025/04/20 - 3:58 PM
آخر تحديث 2025/04/22 - 2:12 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 766 الشهر 23212 الكلي 10903859
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير