الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التعذيب تضليل للعدالة وإدانة لبرئ وإفلات المجرم الحقيقي

بواسطة azzaman

التعذيب تضليل للعدالة وإدانة لبرئ وإفلات المجرم الحقيقي

أكرم عبدالرزاق المشهداني

 

يقول المثل الشائع (ربَّ ضارة نافعة)، فقد كان الحادث المأساوي بوفاة الشاب المهندس بشير داخل مركز الاعتقال الشرطوي، نتيجة الضرب المبرح الذي تلقاه داخل قاعة الاعتقال من بقية المعتقلين، والذي وثقته كاميرات المراقبة في الموقف الامني باحدى توابع شرطة الكرخ، هذا الامر دفع بموضوع التعذيب في نطاق التحقيق الى واجهة النقاش وتحويله الى (قضية راي عام) من جديد تداولها الناس في مجالسهم وصارت حديث كل اسرة وكل مقهى وكل تجمع.

في عام 1993 تم تعييني مديرا لشرطة محافظة بغداد الرصافة، وكنت اعلم ان التعذيب يُمارس بحق المتهمين لانتزاع الاعترافات، وحيث ان سكوتي عن ذلك يحملني مسؤولية اعتبارية وقانونية، دنيوية وأخروية، فقد كان اول امر لي أصدرته، أن امرت جميع المدراء برفع اجهزة التعذيب الموجودة في مكاتب التحقيق (من اسلاك وزناجيل ورافعات للتعليق)، واني سوف احاسب المخالفين، ورغم ان الكثير من مدراء المكافحة اشاروا لي بأن هذا يعني (عدم تحقيق اي انجاز في كشف الجرائم الغامضة)، فقلت لهم (تباً بأي إنجاز يتحقق من خلال وسائل لا أخلاقية و لاشرعية)!! وأكدت لهم على اتباع فنون التحقيق التي درسوها في كلية الشرطة لكشف غموض الجرائم وادانة مرتكبيها.

وأنا كنت قد أشرت لموضوع (التعذيب) في مقالتي المنشورة بصحيفة (الزمان) بعددها رقم 4296 بتاريخ 5/9/2012 بعنوان (التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم) وان التعذيب في العراق والوطن العربي، ليس جديدا، وقلت فيه «لا يكفي أن يتزين  دستور أي دولة بنصوص فضفاضة تتضمن الاشارة الى حقوق الانسان الأساسية، وتجريم التعذيب، ولا يكفي مجرد الانضمام الى اتفاقية الامم المتحدة لمناهضة التعذيب والممارسات المهينة، مالم يُثبت البلد المعني من خلال التطبيق والممارسة انه كافل وحافظ لتلك الحقوق. فالتعذيب يبقى وصمة عار في جبين ممارسيه، فالعراق رغم توقيعه على اتفاقية منع التعذيب التي وقعت باشراف دولي، وعلى الرغم من أن التعذيب كممارسة تعبر عن بهيمية ووحشية تحط من كرامة من يمارسها قبل أن تنال من يتعرض لها، فان ما تشهده السجون والمعتقلات العراقية من ممارسة منهجية للتعذيب، هو أمرٌ يُعد وصمة عار تؤذي سمعة العراق ومكانته بين دول العالم التي تحترم كرامة الانسان وحقوقه.

تضليل العدالة

والتعذيب هو تضليل للعدالة من خلال اجبار المتهم البريء على الاعتراف بذنب لم يقترفه، والانكى من ذلك انه سيؤدي لإفلات المجرم الحقيقي عن العقاب؟.

لا يكفي أن تصدر الدول التشريعات والتصريحات، عن احترامها حقوق الانسان، وعن منع التعذيب واعتماد مبادئ العدالة في التعامل مع المعتقلين، وانما يجب أن تثبت بالفعل الملموس والمراقب عن توقف كل الممارسات اللاإنسانية والحاطة من كرامة الانسان أيا كان سببها أو مصدرها، وأيا كانت التهمة الموجهة للمعتقل، وحين تأتي مثل هذه الممارسات المدانة أخلاقيا وقانونيا، من جانب أشخاص من السلطات الحكومية، فانها تأخذ بعدا خطيرا جدا ومبررا لازما في تشديد العقوبة بحيث تتعدى المنفذين الى المسؤولين بصفتهم الرسمية، ولاسيما عندما تترافق مع الاعتقال العشوائي الكيفي، وحينما يتحول التعذيب الى طريق وحشي لانتزاع الاعترافات الكاذبة عن جرائم لم تقع أصلا، او لم يرتكبها الشخص المعتقل، فحينذاك تستكمل شروط الجريمة الكاملة المخلة بالشرف والتي لا يمكن أن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن.

محترفو ثقافة التعذيب وانتزاع الأقوال بالاكراه، هم أسوأ القتلة، لايختلفون عن القتلة المستأجرين، لأنهم يتقاضون أجورهم عن أحط المهمات وأكثرها سقوطا وانحطاطاً، ان من يتفنون بمهنة التعذيب، هم أولئك الذين سقطت رجولتهم وكرامتهم وانسانيتهم في أول امتحان حقيقي لمقاييس الرجولة في واحدة من أهم ساحاتها، وان الذين يتلذذون بآلام المعتقلين الأسارى ممن لاحول لهم ولا قوة، والذين لا يمتلكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم، لا يمكن وضعهم في خانة بني البشر أبدا، بل هم يجب الى يساقوا الى محاكم الجرائم الدولية لينالوا جزاءهم العادل عما ارتكبوه من جرائم يندى لها جبين الانسانية.ولايحسبن الرؤساء والمدراء واصحاب القرار انهم في منأى عن المسائلة والعقاب، فليس المنفذون للتعذيب وحدهم من يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية والجنائية المترتبة على ممارسة التعذيب، بل أن الموجهين به والآمرين به والمتسترين عليه، وكذلك من عرف بوقوعه ولم يعترض عليه ولم يحاول ايقافه، يتحمل المسؤولية الأكبر في وقوع هذا النوع الوحشي المتردي من الاجرام ضد الانسانية، وبصرف النظر عن الانتماء السياسي أو الديني أو العرقي للذين يتعرضون للتعذيب.

ان استمرار السلطات الرسمية المختصة من قضائية وامنية، وامعانها في تنفيذ احكام الاعدام الجزافية في ظل معرفتها اليقينية بوجود ممارسات التعذيب في المعتقلات واماكن الاحتجاز والمواقف واللجان التحقيقية، وهو الامر الذي اثبتته تقارير المنظمات الدولية وبخاصة منظمة هيومن رايتس ووتش، التي ما زالت تصر على وقوع جرائم تعذيب في العراق، تنتهك خلالها حقوق الانسان، على الرغم من كل التعهدات التي قطعتها الحكومة على نفسها، أمام الرأي العام في الداخل والخارج وأمام المنظمات الحقوقية، التي قدمت أدلة وشواهد على ذلك، فكم من مرة سمعنا ان الحكومة قررت تشكيل لجان تحقيق للتدقيق في شكاوى وقوع التعذيب في المعتقلات العلنية والسرية، الا ان اجراءا جديا واحدا لم يصدر ولم يتخذ.            

ان على العراق وعلى اي دولة صادقت وانضمت الى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة، وقبلت طواعية الالتزامات المفروضة بموجب القانون الدولي اليوم التزاماً قانونياً دولياً صريحاً، بان تبادر الى توجيه دعوة مفتوحة الى المقرر الخاص المعني بالتعذيب، وكذلك الى الآليات الأخرى المعنية بحقوق الانسان، للقيام بزيارة لها، كما أن من حق المتضررين أو ذويهم او وكلائهم أن يتقدموا الى المقرر الخاص المعني بالتعذيب كي يرسل لجان وفرق التفتيش والتحقق من حصول التعذيب.وقد طرح البعض لدينا فكرة تركيب (كاميرات مراقبة) في غرف التحقيق بالمراكز والمكاتب الأمنية، على أساس أن ذلك سوف يسهم في الحد من ممارسات التعذيب في المراكز والمكاتب، ويرون ان تركيب الكاميرات في غرف التحقيق بمراكز الشرطة يعد خطوة هامة نحو تعزيز الشفافية وحماية حقوق الأفراد. ولكن مع ذلك، فإن هذه العملية ليست حاسمة في منع ممارسات التعذيب، حيث تواجه العديد من التحديات التي تتطلب دراسة معمقة وإجراءات فعالة لضمان نجاحها.

  التحديات القانونية: الحفاظ على الخصوصية حيث أن تركيب الكاميرات يجب أن يتم بمراعاة حقوق الخصوصية للأفراد، ويجب تحديد ضوابط صارمة حول كيفية استخدام ومشاركة التسجيلات.الإطار التشريعي: يجب أن يكون هناك إطار قانوني واضح ينظم عملية تركيب الكاميرات واستخدامها في غرف التحقيق، ويحدد المسؤوليات والحقوق المتعلقة بها.

التحديات النفسية والاجتماعية: التأثير النفسي على الأفراد: قد يشعر الأفراد بالضغط النفسي عند معرفتهم بوجود كاميرات تسجل مجريات التحقيق، مما قد يؤثر على سلوكهم وتصرفاتهم.

قبول المجتمع: يجب أن يتم توعية المجتمع بأهمية هذه الكاميرات وفوائدها لضمان قبولهم ودعمهم لهذه المبادرة.

خاتمة: بالرغم من التحديات المتعددة التي تواجه تركيب الكاميرات في غرف التحقيق بمراكز الشرطة، فإن تجاوز هذه العوائق يتطلب تعاوناً بين الجهات المعنية وتوفير الموارد اللازمة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة في تعزيز الشفافية وحماية حقوق الأفراد. كما يجب ملاحظة أن هذه الوسيلة ربما تحد جزئيا من ممارسات التعذيب، لكنها لا تقضي عليها نهائيا، خاصة أن من يسلكون هذا الطريق يتفننون في أساليبهم ووسائلهم غير المشروعة  في التعذيب، ويتقنون اساليب التهرب من الوقوع في لقطات الكاميرة حين يمارسون التعذيب والأمر يجب أن يركز على التوعية الأخلاقية والقانونية ومخافة الله.


مشاهدات 75
الكاتب أكرم عبدالرزاق المشهداني
أضيف 2025/04/20 - 3:54 PM
آخر تحديث 2025/04/22 - 12:31 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 539 الشهر 22985 الكلي 10903632
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير