الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل ممارسة التعذيب في العراق هو في نطاق حالات منعزلة؟

بواسطة azzaman

هل ممارسة التعذيب في العراق هو في نطاق حالات منعزلة؟

سداد عماد العسكري

 

في 26-27 نيسان/ أبريل 2022 ، بحثت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في التقرير الدوري الثاني للعراق، والذي تشرح فيه سلطات الدولة الخطوات المتخذة لتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. بعد حوار تفاعلي مع ممثلي الدول، تبنت اللجنة الملاحظات الختامية، التي تعرب فيها اللجنة عن أسفها لعدم إحراز تقدم منذ آخر مراجعة للعراق في عام 2015. في رسالة مشتركة، دعونا نحن وخمس منظمات غير حكومية أخرى لحقوق الإنسان السلطات العراقية الإسراع في وضع وتنفيذ خطة وطنية لمكافحة التعذيب في ضوء التوصيات الواردة في الملاحظات الختامية الأخيرة للجنة.

 

بالرغم من المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (UNCAT) في عام 2011، لم يبذل سوى جهد قليل لتنفيذ المواد الواردة في الاتفاقية. ونتيجة لذلك، يظل التعذيب مشكلة هيكلية يعززها مناخ الإفلات من العقاب على نطاق واسع.

 

في 26-27 نيسان/أبريل 2022 ، بحثت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التقرير الدوري الثاني للعراق. بعد تفاعل مع ممثلي الدول، تبنت اللجنة الملاحظات الختامية، التي أعربت فيها اللجنة عن أسفها لعدم إحراز تقدم منذ آخر مراجعة للعراق في عام 2015.

 

بعد مناقشة الإطار القانوني العراقي لمكافحة التعذيب وعدم مراعاة الضمانات القانونية القائمة، أعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم إزاء مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة على نطاق واسع وعدم المساءلة عن مثل هذه الأفعال. أخيراً، تم أيضًا التطرق إلى معاملة السجناء المحكوم عليهم بالإعدام وكذلك الانتهاكات التي حدثت في سياق احتجاجات 2019-2020.

 

تشريع مناهضة التعذيب والضمانات القانونية الأساسية

 

بالرغم من أن التعذيب محظور في كل من الدستور العراقي و المادة 333 من قانون العقوبات العراقي، إلاّ أن العراق لم يجرم بعد التعذيب بما يتواءم مع الاتفاقية. منذ عام 2017 ، تمت مناقشة مشروعي قانون لمكافحة التعذيب في البرلمان، ولم يتم تمرير أي منهما. وأعربت اللجنة عن أسفها لهذا التأخير مع ملاحظة أن النصوص المقترحة لا ترقى إلى مستوى اتفاقية مناهضة التعذيب. وأشار خبراء الأمم المتحدة إلى أن التناقضات بين التعريف الوارد في الاتفاقية والتعريف في القانون المحلي تخلق ثغرات للإفلات من العقاب.

 

تتمثل إحدى أكثر الطرق فعالية لمنع التعذيب في ضمان تمتع جميع الأشخاص المحتجزين بإمكانية أن تتاح السبل المناسبة للحصول على الضمانات القانونية والإجرائية منذ اللحظات الأولى للإحتجاز لدى الشرطة. وبينما أحاطت اللجنة علماً بالضمانات الإجرائية لمنع التعذيب وسوء المعاملة المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي، فقد أعربت عن قلقها إزاء "التقارير التي تشير إلى أن الأشخاص المحتجزين لا يتم منحهم بشكل روتيني جميع الضمانات القانونية الأساسية منذ بداية الحرمان من الحرية، وذلك في الممارسة العملية".

 

وعلى وجه الخصوص، لاحظت اللجنة أن الحق في الاستعانة بمحام يتأخر بشكل منهجي ولا يُمارس إلا بعد إجراء جلسات التحقيق الأولية مع قوات الأمن وقاضي التحقيق. بالإضافة إلى ذلك، لا يحصل الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم مرتبطة بالإرهاب في كثير من الأحيان على أفضل تمثيل قانوني، ولا يعد الحصول على فحص طبي مستقل ممارسة معتادة، ويتأخر في كثير من الأحيان الحق في إخطار أحد الأقارب أو الشخص الذي يختاره الموقوف، وأيضاً مراراً وتكراراً يتم إحضار الأشخاص الموقوفين ليمثلوا أمام قاضي التحقيق بما يتجاوز مهلة الأربع وعشرين ساعة المنصوص عليه في القانون العراقي.

 

اعترافات غير مشروعة

 

على الرغم من أن الدولة الطرف تدعي أن "الأحكام الصادرة عن المحاكم العراقية لا تعتمد على الاعترافات وحدها بل على مجموعة شاملة [من] الأدلة"، وجد أعضاء اللجنة أن الاستجوابات التي تجريها قوات الأمن في الممارسة العملية تهدف بشكل عام إلى انتزاع الاعترافات، مما يساهم في إجراءات قسرية.

 

حتى إذا كان عدم مقبولية الاعترافات التي يشوبها التعذيب منصوصاً عليه في كل من الدستور وقانون أصول المحاكمات الجزائية، فقد لاحظت اللجنة أن الاعترافات المنتزعة بالإكراه تُقبل كدليل في المحاكم، لا سيما في القضايا المتعلقة بالإرهاب. عندما يدّعي المتهمون أن اعترافاتهم انتزعت منهم بالإكراه، يتم تجاهل إدعاءاتهم ببساطة.

 

تفشي استخدام التعذيب وانعدام المساءلة

 

أثناء الحوار التفاعلي مع اللجنة، أنكر ممثلو الدولة الطرف (العراق) ممارسة التعذيب في أماكن الاحتجاز. وفضل الوفد الحديث عن حالات منعزلة بدلاً من الحديث عن ممارسة منهجية أو واسعة النطاق. ومع ذلك، تلقت اللجنة "تقارير تشير إلى أن الأشخاص المحتجزين، بما في ذلك في المنشآت الخاضعة لسلطة القوات الأمنية والمرافق التي يُقال أنها غير معروفة للمحتجزين، يتعرضون للتعذيب أو سوء المعاملة لا سيما خلال مرحلة التحقيق الأولي".

 

وبنفس القدر من القلق، لاحظت اللجنة أن الآليات القائمة لتلقي شكاوى التعذيب والتحقيق فيها "لا تؤدي عملياً إلى مساءلة جادة لمرتكبي التعذيب".

 

تشمل ولاية المفوضية العليا لحقوق الإنسان (IHCHR)، وهي مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان في العراق، معالجة شكاوي التعذيب التي يمكن إحالتها إلى مكتب الادعاء. ومع ذلك، لاحظت اللجنة أن الإجراءات اللاحقة لا تزال بطيئة. يتقوض عمل المفوضية العليا لحقوق الإنسان حالياً بسبب التأخير في اختيار المفوضين الجدد إلى جانب التأثير غير المبرر للأحزاب السياسية أثناء عملية الترشيح. حتى أن أحد مفوضيها، الدكتور علي البياتي، يواجه دعاوى قانونية بسبب التعليقات التي أدلى بها بينما كان لا يزال في منصبه بشأن قضايا التعذيب.

 

جاء صدور بيان جديد من ذوي سجناء محتجزين في السجون العراقية منذ سنوات، ليلقي الضوء مجددا على ما يصفه البيان بالواقع المرير بما يحمله من انتهاكات شديدة وسوء معاملة وإهانات.

 

ولم يقتصر ذلك الواقع على السجناء فحسب، بل تجاوزهم إلى ذويهم وخصوصا خلال الإجراءات الأمنية المرافقة للمقابلات والزيارات، وفق البيان.

 

وفي البيان الذي نشره "مرصد أفاد" الحقوقي -على حسابه بموقع إكس- ومنظمات حقوقية أخرى، ركّز ذوو السجناء على سجن الحوت في مدينة الناصرية جنوبي العراق، وما يعانيه نحو 13 ألف سجين من تعذيب وتضييق وسلوك عنيف من إدارة السجن.

 

أولياء أمور معتقلين بالسجون العراقية يناشدون السلطات العراقية التدخل لوقف السلوكيات المشينة من إدارات السجون بحق أبنائهم وانتهاك حقوقهم وسوء المعاملة بما فيها إهانة ذويهم عند التفتيش قبل المقابلات.

 

البيان يشير لارتفاع حالات الإعدام بالتزامن مع مناقشة قانون العفو العام

 

وينقل البيان عن أهالي السجناء أن المعاناة تبدأ من الرعاية الطبية والصحية، إذ لا يسمح للسجناء برؤية ضوء الشمس إلا 15 دقيقة يوميا في ظل ما تعيشه السجون من اكتظاظ بأعداد من السجناء يفوق الحد والمساحة المخصصة لهم وفق الاعتبارات الدولية والحقوقية.

 

ويبلغ أن يقبع كل 8 سجناء في غرفة لا تتجاوز أبعادها عرض مترين وطول 3 أمتار، فضلا عما يشكله ذلك من مخاطر تتعلق بالتهوية وانتشار الأمراض الجلدية.

 

ويلفت البيان إلى حالات الضرب بآلات حديدية والشتم والإهانات والبصق، بجانب سوء التغذية وضعف العلاج والرعاية الصحية وانعدام أدوية الأمراض المزمنة التي لا يسمح بدخولها إلا بدفع مبالغ لإدارات السجون.

 

ويصل الأمر أيضا إلى "ابتزاز" السجناء حتى بالأطعمة والملابس الإضافية والحاجات الضرورية التي لا يسمح بإدخالها إلا مقابل دفع أتاوات أخرى، مؤكدا افتقار السجون إلى أي أنشطة رياضية أو تعليمية أو ثقافية، وفق البيان.

 

كما أن شكاوى ذوي السجناء -حسب بيان المرصد- أوضحت أن المقابلات مع أبنائهم تمر بإجراءات معقدة تشمل تفتيش النساء بصورة مهينة غير لائقة فيها امتهان لكرامتهن قبل السماح بالدخول إلى غرف المواجهات المباشرة، وهذه الغرف ينتظر فيها أولياء الأمور ساعات طويلة تحت حرارة شمس الصيف.

 

ويتسق هذا الواقع مع شكاوى سابقة أن بعض العائلات تحضر قبل يوم لحجز مواعيد والحصول على مقابلة مبكرة، إذ يقطع كثير منهم مئات الكيلومترات للوصول إلى السجن بجنوب البلاد.

 

بدورها، تنفي وزارة العدل العراقية صحة التقارير الحقوقية، وهي وإن كانت لا تنكر وجود الاكتظاظ في السجون الذي بلغت نسبته 300% وفقا لتصريح سابق من وزير العدل خالد شواني الذي اعترف بالمشكلة، لكن الوزير أعلن عن قرب حلّ مشكلة تأخير إطلاق سراح من تنتهي مدة محكوميته، خلال مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية قبل شهرين.

 

كما أكد مدير الإعلام باسم وزارة العدل العراقية مراد الساعدي -للجزيرة نت- أن التقارير التي تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في السجون العراقية "عارية من الصحة"، نافيًا وجود تعذيب أو إهانات "طائفية" لدى سجون وزارة العدل.

 

وأضاف أن الوزارة شرعت ببناء سجون جديدة، وتأهيل سجون قائمة بالفعل لاستيعاب أعداد السجناء الذين ناهز عددهم 64 ألفًا في كل السجون، وتقليل الاكتظاظ فيها.

 

يحظر الدستور العراقي "جميع أنواع التعذيب النفسي، والجسدي، والمعاملة غير الإنسانية".  كما ينص على أنه "لاعبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه، أو التهديد، أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه، وفقا للقانون". بحسب قانون أصول المحاكمات الجزائية، لا يجوز الحصول على الاعتراف من المتهم من خلال "إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير".

 

ومع ذلك، يمنح قانون أصول المحاكمات الجزائية القضاة سلطة تقديرية كاملة لتحديد ما إذا كان اعتراف المدعى عليه مقبولا، حتى لو أنكره المتهم. كما يعطي هذا القانون المسؤول حصانة فعالة من المقاضاة، باشتراط موافقة من "الوزير التابع له" لإحالته على المحاكمة.

 

تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 3 قضاة كبار و5 محامي دفاع خاصين في بغداد. قال المحامون إنه في غياب قوانين أو مبادئ توجيهية بشأن مزاعم التعذيب، وموجب الحظر الدستوري للتعذيب، على القاضي أن يأمر بإجراء فحص طبي شرعي لتحديد ما إذا كان المتهم قد تعرض للتعذيب. إذا كان الأمر كذلك، على القاضي نقل المتهم من الحبس الاحتياطي لدى الضابط المخالف، وإلغاء الاعتراف، والأمر بإعادة المحاكمة، على النحو المطلوب بموجب "قانون العفو" العراقي لعام 2016.

 

قال المحامون إن القضاة نادرا ما يأمرون بإجراء فحص طبي شرعي للتحقيق في التعذيب. وإذا أمر القضاة بتقرير الطب الشرعي، فنادرا ما يأمرون بإعادة المحاكمة.

 

أضاف المحامون أيضا أنهم نادرا ما ينجحون في الاستناد إلى قانون العفو في قضايا الإرهاب للحصول على إعادة المحاكمة عندما يزعم المشتبه بهم تعرضهم للتعذيب. وفي قضية استثنائية، قال محام إنه استطاع الحصول إطلاق سراح معتقل باستخدام قانون العفو لأن عائلة الضحية شهدت نيابة عن المدعى عليه بأن قوات الأمن ألقت القبض على الرجل الخطأ.

 

قال المحامون إن القضاة لم ينقلوا المشتبه بهم من عهدة العناصر المتهمين. أي مشتبه به يشهد في المحكمة بأن المحققين عذبوه قد يتعرض للتعذيب مجددا عند عودته إلى السجن لمواجهة نفس الحراس.

 

تنص المادة 123 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن المشتبه به المحتجز له الحق في الاستعانة بمحام خلال 24 ساعة من توقيفه. لكن قال محامون إن قوات الأمن لا تُحضر المتهمين أمام قاضي التحقيق خلال 24 ساعة من الاعتقال، كما يقتضي القانون، ما يزيد من احتمال التعذيب. وقدروا أن المشتبه بهم في قضايا الإرهاب في بغداد عادة ما يمثلون أمام قاض بين 10 و20 يوما بعد الاعتقال، إلا أن بعض المعتقلين ينتظرون شهورا أو سنوات للمثول أمام محكمة. قال المحامون الذين تمت مقابلتهم أيضا إنهم لم يُسمح لهم أبدا بحضور استجواب أي موكل في قضية تتعلق بالإرهاب، ما يزيد من إمكانية تعرض المحتجزين للتعذيب.

 

إحدى نتائج التأخيرات الكبيرة في المثول أمام المحكمة هو أن تقرير الطبيب الشرعي، الذي يأمر به القاضي، قد لا يكون قادرا على توثيق التعذيب. في قضية من العام 2014، أشار تقرير الطب الشرعي إلى 9 ندوب على جسد المعتقل، لكنه خلص إلى أن "الفترة الزمنية المنقضية على إحداث [الندوب] تجاوزت الستة شهور ولا يمكن تحديدها".

 

قالت هيومن رايتس ووتش إن القلق بشأن تجاهل القضاة مزاعم التعذيب يتجاوز محاكم بغداد. في محافظة نينوى، التي تضم مدينة الموصل، قال قاض لـ هيومن رايتس ووتش في يوليو/تموز 2017 إن "العديد" من المشتبه في انتمائهم إلى داعش زعموا أمام المحكمة تعرضهم للتعذيب، وإنه أمر بإجراء فحص طبي في كل حالة – لكنه لم يُقدم أي تفاصيل بشأن النتائج واعترف بأنه لم يُحقق أبدا أو يعاقب المحققين. في يوليو/تموز 2018، قال 6 محامين في محكمة مكافحة الإرهاب في نينوى لـ هيومن رايتس ووتش إنه بينما تنتشر مزاعم التعذيب من قبل المتهمين، فإنه لا علم لهم بأي قضية تم فيها التحقيق مع المحققين.

 

قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات القضائية التحقيق في جميع المزاعم ذات المصداقية بشأن التعذيب ومع قوات الأمن المسؤولة. على القاضي أن يأمر بنقل المعتقلين إلى مراكز مختلفة فورا بعد أن يزعموا تعرضهم للتعذيب أو سوء المعاملة، لحمايتهم من الانتقام.

 

على "مجلس القضاء الأعلى" العراقي أن يصدر توجيهات بشأن الخطوات التي يجب أن يلتزم القضاة باتخاذها عندما يدعي متهم أنه تعرض للتعذيب أثناء الاحتجاز. على البرلمان اعتماد "قانون مناهضة التعذيب"، والذي يشترط على القاضي أن يأمر بإجراء فحص طبي على أي معتقل يدعي تعرضه للتعذيب خلال 24 ساعة من العلم بالمزاعم. ينص مشروع القانون، كما هو عليه حاليا، على عقوبات جنائية في حق الجلاد ورئيسه، ويقول إن على القضاة رفض كل الأدلة التي تم الحصول عليها عن طريق التعذيب، ويبعد الجلاد عن القضية، ويلزم المسؤولين بالسماح للمعتقلين بحضور محاميهم طوال فترة التحقيق.

قال فقيه: "عندما يُدين القضاة المتهمين بناء على اعترافات بالإكراه ويتجاهلون مزاعم التعذيب، فهم يقولون لقوات الأمن إن التعذيب أداة تصلح للتحقيق. على الحكومة العراقية أن تفعل أكثر بكثير مما تقوم به الآن لضمان أن تكون التحقيقات الجنائية موثوقة وحيادية، ولمحاسبة الضباط والعناصر الذين يعذبون المعتقلين".

يواجه المحتجزون الذين يعتمدون على محامين معينين من قبل الدولة صعوبات في الحصول على تمثيل قانوني مناسب. قال عضو في نقابة المحامين العراقيين في بغداد إن الدولة تدفع للمحامين المعينين من قبل الدولة 25 ألف دينار عراقي أو 20 دولار أمريكي عن كل قضية، بغض النظر عن مقدار الوقت الذي يستغرقهم ذلك. وقال إنه نتيجة لذلك ليس لدى المحامين أي حافز لمقابلة موكليهم قبل جلسة التحقيق معهم، أو دراسة ملف القضية، أو الاستمرار في تمثيلهم في جلسات الاستماع اللاحقة. وقال المحامون إن هذا النقص في التمثيل يجعل المتهمين أكثر عرضة للانتهاكات.

مخالفات في إجراءات التحقيق

تنص المادة 128 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه، في غضون 24 ساعة بعد الاعتقال، على أحد المحققين الحصول على اعتراف أولي من المدعى عليه، يُوقع عليه المدعى عليه، ويمده المحقق للقاضي ضمن ملف القضية. ثم على القاضي استجواب المدعى عليه للحصول على اعتراف ثان يؤكد المعلومات المتواجدة في ملف القضية والتهم. على المدعى عليه والقاضي التوقيع على الاعتراف.

قال المحامون إن هذا الإجراء لا يُتبع. في بعض الحالات، يأخذ المحقق الاعتراف الأولي مباشرة إلى القاضي، أو يزور القاضي السجن ويوقع على الاعتراف الأولي. وفي حالات أخرى، يُحض الضباط المدعى عليه إلى المحكمة، وقبل دخول قاعة المحكمة، يجبرون الشخص على توقيع ورقة بيضاء. ثم تجري جلسة الاستماع أمام القاضي، وبعد ذلك يأخذ الحراس المدعى عليه إلى خارج القاعة، ويوقع القاضي الاعتراف الذي دونه كاتب المحكمة أو القاضي، الذي قد لا يعكس ما تم الكشف عنه خلال الجلسة. قال أحد المحامين إنه مثل مُوكلا عمره 30 عاما اعتقل في منزله في بغداد في أغسطس/آب 2015 من قبل اللواء 54 التابع للجيش. أخبر المتهم لاحقا محاميه بأن الجنود احتجزوه في سجن مطار المثنى، وأوهموه بالغرق حتى اعترف بارتكاب 3 هجمات إرهابية مزعومة عام 2007. وبعد اعترافه ونقل قضيته من المحكمة الجنائية المركزية في الكرخ، بغداد، إلى المحكمة الجنائية المركزية في الرصافة، بعد 6 أشهر، طلب المحامي فحص طبي شرعي.

كان يعلم أن التقرير سيكون متأخرا جدا ليكون دقيقا، لكنه أخبر القاضي عن الإيهام بالغرق. قال المحامي إن القاضي تجاهل المعلومات. اتصل المحامي بشرطة بغداد بشأن الحوادث التي اعترف بها موكله، وقال إن الشرطة أجابت بأن حادثا واحدا منها فقط وقع. وقال المحامي إنه استطاع أن يثبت للقاضي أن هجمتين لم تحدثا قط، وأن الهجمة التي وقعت في مارس/آذار 2007، وقعت أثناء وجود موكله في السجن. وضمن الإفراج عن موكله.

في حكم صدر عام 2009، أشار القاضي إلى تقرير الطب الشرعي الذي وجد ندوبا تتسق مع التعذيب، لكنه أيد الإدانة بالاعتماد على ما اعتبره ملف القضية دليلا آخر. توصلت المحكمة إلى ما يلي:

دونت أقوال المتهمين فاعترفوا [بما] أسند إليهم أمام القائم بالتحقيق وقاضي التحقيق وتراجعوا عن اعترافهم أمام هذه المحكمة مدعين بتعرضهم إلى التعذيب واطلعت المحكمة على التقرير الطبي للمتهمين [...] بخصوص تعرضهم إلى التعذيب كما اطلعت على الكشف والمخطط على محل الحادث بعد التدقيق تبين أن الأدلة المتحصلة ضد المتهمين تكفي لإدانتهم وفق مادة الاتهام كونها تمثلت بأقوال المشتكي والتي تعززت بأقوال الشهود.

وقال المحامي إنه نجح في أن يُحكم على المتهمين بالسجن 15 سنة بدلا من المؤبد بسبب استخدام التعذيب.

قال محامون إن الرشوة شائعة في النظام القضائي، واعترفوا برشوة ضباط الأمن والقضاة لضمان إطلاق سراح موكليهم أو معاملتهم معاملة أفضل. في مرحلة التحقيق، تتحكم النيابة العامة في جميع وثائق القضية، بما فيها تقرير للفحص الطبي الشرعي. وقال المحامون إن عليهم طلب الحصول على الوثائق من قاضي التحقيق. في بعض الأحيان يرفض القاضي، وحتى إذا سمح القاضي بالوصول إلى الوثائق، فإنه عادة ما يكون لفترة محدودة فقط. قال المحامون إنهم عموما يستطيعون فقط الحصول على نسخ من الوثائق الرئيسية اللازمة لتكوين دفاع، بما في ذلك تقرير الطب الشرعي، عن طريق "الواسطة أو دفع رشوة"، على حد تعبير أحدهم. وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم لاستخدام فحوص الطب الشرعي في دفاعهم عن موكلهم.

الضرب  الإيذاء والعنف المفضي إلى الموت  في القانون العراقي

تعد جريمة الضرب المفضي الى الموت صورة متعدية القصد، وهي تختلف عن القتل العمد، اذ فيها يقصد الجاني الى مجرد الضرب أو الجرح أو اعطاء مادة ضارة لإيذاء المجني عليه في سلامة جسمه، إلا ان النتيجة تتجاوز قصده فتحدث حالة الوفاة، في حين ان جريمة القتل العمد يكون الجاني فيها قاصدا لإزهاق روح المجني عليه.

الضرب المفضي الى الموت: تنص المادة 410 عقوبات على انه: (من اعتمد عمدا على آخر بالضرب أو الجرح أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو ارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون ولم يقصد من ذلك قتله ولكنه أفضى الى موته يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشرين سنة إذا ارتكبت الجريمة مع سبق الاصرار أو كان المجني عليه من أصول الجاني أو كان موظفاً أو مكلفاً بخدمة عامة ووقع الاعتداء عليه أثناء تأدية وظيفته أو خدمته أو بسبب ذلك).

تعد جريمة الضرب المفضي الى الموت صورة متعدية القصد، وهي تختلف عن القتل العمد، اذ فيها يقصد الجاني الى مجرد الضرب أو الجرح أو اعطاء مادة ضارة لإيذاء المجني عليه في سلامة جسمه، إلا ان النتيجة تتجاوز قصده فتحدث حالة الوفاة، في حين ان جريمة القتل العمد يكون الجاني فيها قاصدا لإزهاق روح المجني عليه.

: عالج المشرع العراقي جريمة القتل الخطأ في المادة 411 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وعلة التجريم تكمن في ان هذه الجريمة تشكل اعتداءاً على حق الانسان في الحياة وهو حق مصون وكفلت حمايته اعلانات الحقوق والمواثيق الدولية والدساتير والقوانين الوطنية.

من أوجه الشبه ما بين جريمة القتل الخطأ وجريمة القتل العمد هو نشاط الجاني الذي يتمثل بفعل الاعتداء المميت وأياً كانت الوسيلة التي يقع فيها هذا الاعتداء سواء كانت الوسيلة قاتلة بطبيعتها كالأسلحة النارية أو السكين أو بوسيلة غير قاتلة بطبيعتها ولكن باستخدام الجاني لها تصبح قاتلة كسكين المطبخ أو الفأس أو الحجارة أو العصا وغيرها من الوسائل، كما تتشابه الجريمتان من حيث النتيجة وهي الوفاة، في حين يكمن الاختلاف ما بين جريمة القتل الخطأ وبين العمد في الركن المعنوي وهو توفر القصد الجرمي في الاخيرة دون الاولى.

ان لجريمة القتل الخطأ متطلبات موضوعية وأخرى معنوية تتمثل بالخطأ وقد حدد المشرع العراقي صور الخطأ في المادة 35 من قانون العقوبات وهي الاهمال وعدم الانتباه وعدم الاحتياط والرعونة وعدم مراعاة القوانين والانظمة والتعليمات واللوائح.

الجرح والضرب والايذاء العمد: خص المشرع جرائم الجرح والضرب والايذاء العمد بالمواد (413-416) عقوبات، وهذه الجرائم تختلف عن بعضها بالنظر الى الجسامة، فمن ضرب أو جرح بسيط، الى ايذاء بليغ، الى ضرب يفضي الى عاهة مستديمة، وفي بعض الجرائم يعاقب المشرع بوصف العمد كما يعاقب على بعضها بوصف الخطأ، ومن هذه الجرائم ما هو من نوع جنح، ومنها ما هو من نوع جنايات، علما بان الفعل الاجرامي فيها جميعا هو فعل الجرح أو الضرب أو اعطاء مادة ضارة أو العنف أو أي فعل آخر مخالف للقانون والذي يأتيه فاعله عمداً، يضيف المشرع بالنسبة لبعض هذه الجرائم ظروفاً مشددة ويجعل الاخذ بها الزامياً على المحكمة.

يتم توقيع عقوبة جريمة الضرب المفضي إلى الموت في الحالات العادية بتحقيق المسؤولية الجزائية عند حدوث الوفاة وإثبات قصد الإيذاء لدى الجاني، فان المحكمة تطبق نص المادة (410) من قانون العقوبات والحكم بالعقوبة المنصوص عليها إلا وهي السجن لمدة لا تزيد عن (15) سنة وبهذا فأن جريمة الاعتداء المفضي الى الموت تعد من الجنايات (1).

وقد حدد المشرع العراقي حالات تشديد العقوبة على الجاني وأسباب تخفيفها في حالات معينه، وهذا ما سوف نورده وفقاً للظروف التالية:

حيث شدد المشرع العقوبة لمدة لا تزيد على عشرين سنة أي السجن المؤبد فيما إذا توافرت إحدى الحالات الآتية:

أ) إذا ارتكبت الجريمة مع سبق الإصرار .

ب) إذا كان المجني عليه من أصول الجاني.

ج) إذا كان المجني عليه موظفاً أو مكلفاً بخدمة عامة ووقع الاعتداء عليه أثناء وظيفته أو خدمته أو بسبب ذلك (2).

وفي سبيل ذلك قضت محكمة التمييز في العراق بموجب القرار 1107/جنايات/ 1973 وجد أن المتهم في أثناء المشاجرة رمى المجني عليه بطابوق من مسافة بضعة أمتار إصابته في رأسه فأحدث جروحاً وكسوراً في رأسه أدت إلى موته وعند النظر في التكييف القانوني لهذا الفعل وجد أن المحكمة ذهبت الى أن الطابوقة ليست من الأسلحة التي اتخذت القتل كالمسدس والخنجر والسكين حيث أن المتهم قذفها مـن بعـد على المجني عليه لأجله فان المحكمة رأت أن قصده الجنائي لم يكن منصرف الى إحداث الموت وإنما كان بقصد إيذاء المجني عليه فقط وحيث أن الإيذاء أدى إلى موته فيكون فعله جريمة محكومة بنص المادة (410) عقوبات(3).

وفي قرار آخر رقم 1175 / جنايات / 1973 وجد أن المتهمين الأخوين ص و ع قد أفادا بأنهما اشتركا سوياً في المشاجرة الواقعة بينهما والمجني عليه الذي رمياه بالحجار خلال تراشق الطرفين بها نتيجة النزاع الواقع بينهما. والظاهر من التقرير الطبي أن المجني عليه أصيب بكسر في الجمجمة ونزف داخلي فيها مما أدى إلى موته. أن المتهمين وأن لم يكن قصدهما ابتداء القتل وإنهما لم يكن اشتراكهما الأ على أساس الضرب إلا أنهما طبقاً لمقتضيات المادة (53) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 ينبغي مؤاخذتها عن الضرب المفضي إلى الموت وفق مادة (410) من نفس القانون لذا قرر إعادة القضية الى محكمتها لإعادة النظر في قرار البراءة بنية التجريم والحكم وفق المادة (410)(4).

كما قضت محكمة التمييز العراقية في القرار رقم 2535/ جنايات/ 1973 وجد أن الشهادات أثبتت أن مشاجرة حدثت بين المته


مشاهدات 130
الكاتب سداد عماد العسكري
أضيف 2025/04/13 - 11:49 PM
آخر تحديث 2025/04/15 - 4:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 756 الشهر 14593 الكلي 10595240
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير