تصريحات الرئيس اللبناني بين سوء الفهم والتقدير
طه حسن الأركوازي
لماذا أخطأ الرئيس اللبناني جوزاف عون بحق الحشد الشعبي في خضم تعقيدات المشهد الإقليمي ، لاتزال بعض التصريحات الرسمية تُلقي بظلالها السلبية على العلاقات بين الدول حينما تفتقر إلى الدقة أو تتجاوز الأعراف الدبلوماسية ، وهذا ما حدث مؤخراً في التصريح الصادر عن الرئيس اللبناني جوزاف عون ، الذي أعلن فيه أن بلاده “لن تستنسخ تجربة الحشد الشعبي” ضمن مشروعه لحصر السلاح بيد الدولة ، في إشارة إلى رفض دمج “حزب الله” ضمن الجيش اللبناني على غرار ما حدث في العراق .؟
الرد العراقي الرسمي جاء سريعاً ، من خلال أستدعاء وزارة الخارجية للسفير اللبناني في بغداد ، للتعبير عن “عدم الارتياح” إزاء ما صدر من الرئيس اللبناني ، وهو موقف مبرر ، ليس فقط لأنه يمس مؤسسة أمنية عراقية رسمية ، بل لأنه يعكس عدم إدراك لتفاصيل التجربة العراقية ، ومحاولة غير موفقة لإسقاطها على وضع لبناني مختلف تماماً من حيث البناء السياسي ، والتاريخي وحتى الاجتماعي .
أين الخلل في تصريح الرئيس اللبناني؟
تكمن المشكلة في أن تصريح الرئيس اللبناني تجاوز حدود النقد الداخلي ، وتحول إلى إسقاط غير دقيق على تجربة دولة أخرى ، دون فهم السياق الخاص بها ، الحشد الشعبي لم يكن مليشيا مستقلة تحولت فجأة إلى مؤسسة ، بل وُلد من رحم الدولة ، وبمباركة شرعية من أعلى مؤسسة دينية وتشريعية وتنفيذية ، أستجابة لتهديد وجودي تمثل في أجتياح تنظيم داعش لمساحات شاسعة من الأراضي العراقية عام 2014 ، في الوقت الذي كان العرب يحيكون المؤامرات لتدمير العراق .وخلافاً لما يعتقده البعض ، فإن الحشد الشعبي لا يعمل بمعزل عن الدولة ، بل يخضع لقانون ينظّم عمله ، ويشارك فعلياً ضمن منظومة الدفاع الوطني جنباً إلى جنب مع الجيش والشرطة ، نعم ، هناك تحديات وسلوكيات فردية بحاجة إلى مراجعة ، لكن هذا لا يبرر تجاهل حقيقة من أنها مؤسسة رسمية ولديها قانون وتحظى بأعتراف الدولة ومساهمة فعالة في حفظ الأمن .
السياسة فن التوازن لا الاستفزاز
السياسة لا تقتصر على الإعلان عن المواقف ، بل تشمل توقيت الإعلان ، وأسلوبه ، ونتائجه المتوقعة ، وكان من المفترض برئيس الجمهورية اللبنانية وهو في موقع حساس أن يختار كلماته بدقة أكبر ، وأن يحرص على عدم إقحام العراق في نزاع داخلي لبناني شائك ، خصوصاً أن العراق يحاول في هذه المرحلة بناء علاقاته الخارجية على أسس الاحترام المتبادل وعدم التدخل ، وهو ما يستوجب من الدول الأخرى التعامل معه بالمثل .
وجهة نظر
كعراقيين ، لسنا معنيين بما يدور داخل لبنان من خلافات حول سلاح “حزب الله”، رغُم أن هذا السلاح حفظ هيبة وسمعة وأرض لبنان في الوقت الذي خانه الجميع ، لكننا معنيون تماماً بصون هيبة مؤسساتنا الأمنية ، وعدم السماح بالتقليل من شأنها أو تصويرها وكأنها تجربة خارجة عن الدولة ، وإذا كان المطلوب من العراق أحترام سيادة الآخرين ، فإن من حقه أن يُحترم أيضاً ، لا سيما في ما يتعلق بتجربة أمنية دفع ثمنها دماء آلاف الشهداء من مختلف الطوائف والمكونات . أخيراً ، كان بإمكان الرئيس اللبناني أن يطرح رؤيته بشأن سلاح حزب الله دون أن يُقحم العراق في الشأن اللبناني ، كون ذلك يُجافي الحقيقة وتتجاهل وحدة المسار والمصير بين تجربتين صيغتا بالتضحيات والدم للدفاع عن الأرض والكرامة والسيادة ، ففي وقت تتطلع فيه شعوب المنطقة إلى التهدئة ورسم معادلات جديدة تقوم على الاحترام والتوازن ، تأتي مثل هذه التصريحات لتصب الزيت على نار التوتر ، وتعيد إنتاج سوء الفهم بدل أن تساهم في تبديده ...!
خبير بالشأن السياسي والأمني