من التهميش إلى التمكين
شيخ عماد الدين
في زمنٍ أصبح فيه الإعلام الرقمي سيد الموقف، تلعب منصات التواصل الاجتماعي دورًا خطيرًا في تشكيل العقول وتوجيه الرأي العام، ولكن المؤسف أن هذه المنصات - مثل فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب ونتفليكس - كثيرًا ما تُستغل لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، عبر الترويج لروايات مضللة، ومقاطع تحقيرية، وسيناريوهات تعزز الإسلاموفوبيا تحت غطاء “حرية التعبير».ومع أن المسلمين يشكلون شريحة ضخمة من مستخدمي هذه المنصات، إلا أن أصواتهم الحقيقية غالبًا ما تُخنق بالرقابة، وتُدفن تحت ركام من المحتوى المدفوع والموجه. إن خوارزميات هذه المنصات لا تعمل بمعزل عن توجهات أصحابها، بل تُبرمج لتضخيم ما يتماشى مع أجندات محددة، وتهميش ما يخالفها، خاصة إذا كان يدافع عن الإسلام أو يكشف زيف الأكاذيب التي تُنسج حوله.وسط هذا الواقع المُحبط، يشعر كثير من المسلمين بالعجز أمام سيل الدعاية المغرضة، فلا يملكون الوسائل التقنية أو الإعلامية لمجاراتها، ولا المنابر العادلة لإيصال أصواتهم. وهنا تبرز الحاجة الملحّة، بل والواجبة، إلى نهضة إعلامية مستقلة تنبع من الداخل الإسلامي، وتمثل قِيمه، وتُعبر عن تطلعاته.لقد آن الأوان لأن نمتلك منصاتنا الخاصة التي تنافس واتساب وفيسبوك وإنستغرام ويوتيوب ونتفليكس، منصات لا تُدار من خلف الكواليس بعيون غربية تنظر للإسلام بعدسات الشك والعداء، بل تُدار بأيادٍ مؤمنة بقضيتها، واعية بدورها، قادرة على إنتاج محتوى عصري، مؤثر، وهادف.إن تأسيس هذه المنصات ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية. فهي ستمنح المسلمين فضاءً حرًا لنشر محتواهم، وتفكيك الروايات الكاذبة، وتقديم الردود العلمية والمنطقية على حملات التشويه، بل وستفتح الباب أمام صناع المحتوى، والمفكرين، والمبدعين المسلمين لإطلاق العنان لطاقاتهم في بيئة خالية من الرقابة الجائرة والانحياز المُبطّن.ولكي تنجح هذه الخطوة، لا بد من تحالف بين النخب المثقفة، والمستثمرين، والقيادات الدينية، وأصحاب رؤوس الأموال في العالم الإسلامي. فبناء منصات بديلة ليس مهمة فردية، بل مشروع حضاري يجب أن يتبناه الجميع.ليكن لنا “يوتيوب إسلامي”، و”نتفليكس بديل”، و”إنستغرام هادف”، ومنصات مراسلة تضمن الخصوصية والاحترام، وتحترم ثوابتنا وقيمنا، دون أن نُجبر على الانصياع لقواعد لا تراعي خصوصيتنا الثقافية والدينية.إن امتلاك الأدوات الإعلامية اليوم هو امتلاك للقوة، والتاريخ لا يرحم الضعفاء الذين لم يسعوا إلى حماية صورتهم. فلنبنِ منصاتنا... ولنُسمِع العالم صوتنا... لا مشوهًا ولا مُقتطعًا... بل صادقًا، حرًا، وعميقًا.