مَن أنتْ ؟
هدير الجبوري
في وقت مضى كنت اشاهد احد افلام السبعينات العربية بالتحديد وذلك كعادتي دوما ومازالت لغاية اليوم هي متعتي اليومية الوحيدة الدائمة مع باقي الافلام القديمة سواء العربية أو الاجنبية..
ليس هذا الذي اريد الحديث عنه لكن مااردت قوله أن هناك موقف في احد مشاهد الفلم ظل راسخا في بالي لانه تناول سؤالا مهما دائما مانحتاج قوله وذلك عندما يستوقفنا لا اقول الفضول بل الرغبة بمعرفة حقيقة من يكون شخص ما أصبحنا منجذبين لمعرفة من هو...
الموقف في الفيلم تضمن تجمع لطلبة في كلية الفنون يستضيفون مخرجا شابا معروفا وذلك في القاعة الدراسية في جلسة طلابية ولصعوبة الاجابة على كل الاسئلة من قبله فضل ان ترسل له على شكل قصاصات مطوية وهو يفتح مايتمكن من فتحه ليجيب على بعضها ...واستعرض العديد منها فعلا واجاب عنها واغلبها كانت اسئلة معروفة ومكررة، لكنه عندما تناول احدى الاوراق المطوية وفتحها وجد داخلها السؤال التالي : مَن أنت؟ ..طوى الورقة وتركها جانبا مع اوراقه ليحتفظ بها لكنه اثناء ذلك تطلع في وجوه الطلبة والطالبات أمامه ليكتشف من هذا او هذه التي ارادت ان تعرف من يكون حقاً كأنسان لا كمخرج او غيره وكان هذا مايهمه ، وليس المهم انه عرف المرسل بعدها ام لم يعرفه.
ماأود قوله ان هذا السؤال في المشهد السينمائي ذكرني بانسان ما كنت بحاجة فعلا أن اطرح عليه نفس هذا السؤال :مَن أنتْ ؟ من تكون ؟ كل شئ عنه يبدو ضبابيا ومبهما وصعبا ، وكلما حاولت معرفة من يكون أجدني من جديد أسيرة الحيرة وعدم معرفة اجابة لسؤالي هذا ..لانه كالبعض كلما ظننت أنك عرفته تجدك
لم تعرف عنه أي شئ ويعيدك كل مرة الى نقطة الصفر ،وكلما شعرت بالاطمئنان الى انك عرفته في لحظة معينة تجد نفسك في أخرى غريباً عنه وبالكاد تستطيع ان تعرف القليل ،وتتساءل مع نفسك كثيرا هل هو كالاخرين ؟ هل هو مثلك يهفو ويتألم ويحب ويُخذل ؟ هل هو قاسي أم حنون ،هل يراك كما يراك غيره ،هل يلتمس مواطن الجمال والطيبة فيك ؟ هل يتفهم دوافعك نحوه وفضولك لمعرفته ؟هل يتألم اذا تسبب لك بشئ من الالم بقسوته ؟ هل يراجع نفسه عندما يقسو عليك ؟هل يتصور حجم وجعك وهل يهمه أصلا؟ هل يريد ان يعرف من تكون أنت كما تود انت ان تعرف من يكون هو،هل قاسى في حياته كما قاسيت ،هل هجره صديق وخذله حبيب كما أنت ؟ هل ذاق ويلات الايام وخذلان المقربين وقسوة الجحود كما صار معك ؟ هل تنفس هواء الهموم كما تنفست رئتيك المبتلية بهذه السموم قبل ان تكون هموم؟
هل وهل وهل الى مالانهاية..ويبقى السؤال الذي يؤرق الروح : مَن أنت ؟