الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل وصلت دراما رمضان إلى خط النهاية؟

بواسطة azzaman

تشخيص توضيحي

هل وصلت دراما رمضان إلى خط النهاية؟

شوقي كريم حسن

 

الدراما العراقية في رمضان تبدو وكأنها تدور في حلقة مفرغة، حيث لا جديد يلوح في الأفق سوى المزيد من التكرار والاجتهادات التي لا تثمر. الأعمال المعروضة تحمل ذات المشكلات التي تعاني منها منذ سنوات، نصوص ضعيفة تفتقر إلى البناء الدرامي المحكم، أداءات تقليدية لممثلين عالقين في شخصياتهم النمطية، وإنتاج لا يزال أسير الإمكانيات المحدودة والرغبة في الربح السريع دون تقديم محتوى حقيقي.المشاهد العراقي، الذي يبحث عن دراما تعبّر عنه، يجد نفسه أمام أعمال إما تجارية بحتة، أو محاولات كوميدية لا تمتلك عمقًا، أو قصص اجتماعية سطحية لا تترك أثرًا. لا مغامرة، لا تجديد، ولا رؤية واضحة لما يمكن أن تكون عليه الدراما العراقية. يبدو أن الجميع يشتغل لأجل ملء الفراغ الرمضاني فقط، دون تفكير بما سيبقى في ذاكرة المشاهد بعد انتهاء الشهر.إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن الحديث عن تطور الدراما العراقية سيظل مجرد أماني، لأن الواقع يقول إنها ما زالت بعيدة عن المنافسة، بل تقترب أكثر فأكثر من الهاوية. الدراما العراقية اليوم لا تعاني من قلة المواهب، فالعراق زاخر بكتّاب ومخرجين وممثلين قادرين على إحداث الفرق، لكن المشكلة تكمن في غياب التخطيط والرؤية الإنتاجية الحقيقية. ما يُقدَّم في رمضان ليس سوى استهلاكٍ سريع لوجبات درامية غير متقنة، تُنجَز على عجل، بلا اهتمام بالتفاصيل التي تجعل العمل مؤثرًا ومؤهلًا للخلود في ذاكرة المشاهد.

المشكلة ليست فقط في ضعف النصوص أو الأداء، بل في انعدام الجرأة على التغيير، على تقديم محتوى مختلف يخرج عن دائرة الاستسهال والتكرار. الجميع يراهن على أن الجمهور متسامح، أو ربما اعتاد على هذا المستوى، لكن الحقيقة أن المشاهد العراقي صار أكثر وعيًا وانتقائية، وهو اليوم يقارن بين ما يُنتَج داخل العراق وما يشاهده من دراما عربية وعالمية، فيدرك حجم الفجوة الكبيرة.الأسوأ من كل ذلك، أن المنتجين لا يسعون إلى تحسين الجودة، بل يكتفون بما هو متاح، طالما أن هناك سوقًا إعلانيًا يضمن لهم الأرباح. لا أحد يسأل: هل هذا العمل يستحق أن يُقدَّم؟ هل يحمل فكرة جديدة؟ هل يرتقي إلى مستوى الدراما الحقيقية؟ الأسئلة غائبة، والنتيجة أعمال تفتقر إلى الروح، تُصوَّر وتُعرَض ثم تُنسى سريعًا، كأنها لم تكن.

انتاج جاد

إن لم يك هناك وعي حقيقي بضرورة التغيير، وإن لم تتدخل الجهات الثقافية والإعلامية لدعم الإنتاج الجاد، فإن الدراما العراقية تبقى تدور في مكانها، حتى يأتي يومٌ لا تجد فيه من يشاهدها. كل شيء في الدراما العراقية اليوم يوحي بأنها تقترب من لحظة السقوط النهائي، ليس بسبب نقص المواهب، بل لأن الصناعة نفسها باتت بلا روح. الأعمال تُنتَج وكأنها مجرد التزام موسمي، لا رؤية، لا بحث عن التميز، ولا حتى إحساس بالمسؤولية تجاه المشاهد. كأن الجميع اتفق ضمنيًا على أن الجمهور العراقي لا يستحق إلا ما هو أقل، أو أنه اعتاد على الرداءة فلم يعد يسأل عن الجودة.المعضلة الكبرى أن هذه الدوامة لن تتوقف ما دام القائمون على الإنتاج يرفضون الاعتراف بأن هناك خطأ يجب تصحيحه. لا أحد يسأل: لماذا لا ننافس الدراما العربية رغم أننا نملك تاريخًا ثقافيًا وفنيًا ضاربًا في العمق؟ لماذا نشاهد أعمالًا سورية، مصرية، خليجية، وحتى مغاربية تتطور عامًا بعد عام، بينما تظل درامتنا تراوح مكانها؟ الإجابة واضحة: لأننا لا نؤمن بصناعة درامية حقيقية، بل نؤمن بالمواسم العابرة التي تأتي وتمضي بلا أثر.الجمهور العراقي لم يعد متفرجًا ساذجًا، هو الآن أكثر وعيًا مما يتصور المنتجون، وأكثر إدراكًا لما يستحق أن يُشاهَد وما يجب أن يُتجاهَل. ربما تستمر هذه الصناعة لبعض الوقت، لكن دون تغيير جذري، سيأتي يوم تُغلَق فيه الأبواب، ويصبح الحديث عن دراما عراقية مجرد ذكرى من الماضي.

حين تصل الدراما إلى مرحلة الإنتاج بلا هدف، والعرض بلا تأثير، والمتابعة بلا اكتراث، فذلك يعني أنها تفقد مبرر وجودها. المشكلة لم تعد تتعلق فقط بضعف النصوص أو محدودية الإنتاج، بل بعدم وجود إيمان حقيقي بأن الفن رسالة وليس مجرد وسيلة للربح أو استغلال الموسم الرمضاني. الدراما العراقية اليوم تتحول إلى واجهة خاوية، تُقدَّم بلا روح، بلا مغزى، وكأنها تُنتَج فقط من أجل ملء ساعات البث ليس إلا.الجميع مسؤول عن هذا الانحدار، من المنتجين الذين يختارون الأسهل والأرخص، إلى الممثلين الذين يرضون بالظهور بأي شكل، إلى الكتّاب الذين يعيدون تدوير الحكايات نفسها دون بحث عن الجديد. الجمهور أيضًا شريك، لأنه لم يفرض ذائقته على الصناعة، ولم يرفع صوته بالرفض بما يكفي، بل انسحب بهدوء نحو منصات أخرى، نحو دراما تحترم عقله ومشاعره.سيبقى الوضع على ما هو عليه ما دامت الدراما تُصنع بهذا الاستسهال، وما دام السوق يتحكم في المحتوى بدل أن يكون العكس. سيبقى الوضع كما هو ما لم تتوقف الصناعة وتعيد النظر في مسارها، وتسأل نفسها: هل نحن نصنع فناً يستحق أن يعيش؟ أم مجرد أعمال تُعرض لتموت في اليوم التالي؟

إن لم تأتِ صحوة، إن لم ينهض من يؤمن بأن الدراما ليست تجارة موسمية، بل هوية وثقافة وحياة، فسنجد أنفسنا أمام حقيقة مُرَّة: الدراما العراقية لم تصل إلى خط النهاية فقط، بل تجاوزته منذ زمن، ولم يبقَ منها سوى صدى باهت لما كان يجب أن يكون.!

 


مشاهدات 53
أضيف 2025/04/07 - 1:53 PM
آخر تحديث 2025/04/08 - 8:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 333 الشهر 6384 الكلي 10587031
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير