كي لا يفقد عالمنا بوصلته
إيناس البدران
تحضرني مقولة “ما أكثر اللاانساني في الانسان”لغوغول..وأنا استذكر قصة الصحفية البريطانية التي تنكرت بهيئة امرأة عجوز لتنقل لقرائها تفاصيل حياة كبار السن ومعاناتهم مع الشيخوخة،تلك المرحلة التي يقضي المرء جلّ عمره في كنفها،تجربة هذه الكاتبة انتهت بانهيار عصبي لهول ما رأت من حالات القسوة والتهميش واللامبالاة من الاخرين!!ناهيك عن الامراض المزمنة التي تستنزف اجسادهم كغول وتلتهم اغلب دخولهم المتواضعة.ولسنا بحاجة للذهاب الى دار للمسنين للاستماع الى قصص العقوق ونكران الجميل وغيرها من تفاصيل حزينة ،فالمعاناة باتت ممتدة مستشرية كفيروس لايكاد يسلم منها بيت.حينما يكبر المرء يعتقد انه قد ادى رسالته وإنسجم مع قوانين الحياة واشتراطاتها على قسوتها لما قدمه من جهد استثنائي خلال عقود طوال ليفاجأ بالاقصاء من اقرب المقربين.وطبقا لتقارير وبحوث اكاديمية هنالك زيادة غير مسبوقة في قدر التفاهة والسطحية والكسل والغباء الاجتماعي تستشري في العالم كله ! بحيث يوجد شبه اجماع في الاوساط البحثية ان البشر قد تصاعدت بلاهتهم وسخافاتهم خلال العقدين الاخيرين أكثر من أية حقبة حديثة اخرى ،مثلما لوحظ امتداد مرحلة الطفولة والمراهقة حتى لنجد من يقتني الدمى والدباديب وينغمس بالالعاب الالكترونية المضرة بالنظر والعقل والذاكرة الى حدّ شكل من اشكال “التوحّد او العزلة”، في وقت كان فيه آباؤهم وأمهاتهم يحملون على اكتافهم اعباء ومسؤوليات الناضجين ناهيك عن الانجرار وراء المظاهر والقشور البراقة وماديات اضعفت الاواصر الاسرية وحولت الانسان الى آلة بحث عن النقود،وإنك لتجد موجات الشباب مشدودة حد الهوس لفنانين يجيدون التفاهة والهبوط بالذائقة وإثارة الغرائز ،يقابل كل هذا جهل برموز الثقافة والعلم والادب وافتقار للمثال الذي يحتذى مع سوء استخدام واقبال حد الادمان على وسائل التواصل الاجتماعي والوقوع في فخ الشبكة العنكبوتية التي تقدم ما يمكن تسميته بثقافة الساندويج أي المعلومة السريعة المختزلة المصحوبة بالصور الخاطفة لتتقاذفهم أي الشباب مشاعر متضاربة تسوقهم في النهاية الى حالة من اللامبالاة .اصبح العالم جهازا صغيرا في الجيب وكل فرد حبيس جزيرته النائية بعيدا عن اقرب الناس اليه ليصبح البعيد اجمل وأكثر اثارة ويغدو القريب تحصيل حاصل فلاحاجة لبذل اي مجهود لاجتذابه والتواصل معه،صار الاهتمام في زماننا الكترونيا لتنتهي كل الحكايا بحذف او حظر او اخفاء ظهور!!.وحتى لايفقد عالمنا بوصلته يجدر بنا تعليم الابناء في وقت مبكر تحمّل المسؤولية والعطاء بما يتناسب وأعمارهم وأن نزرع فيهم المباديء الاصيلة كإحترام الكبير ونبذ التنمّر بكل اشكاله وتعليمهم فن الحوار والتواصل .