الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لماذا تهاوت إستراتيجية الحرب الإيرانية  الرمادية الهجينة؟

بواسطة azzaman

لماذا تهاوت إستراتيجية الحرب الإيرانية  الرمادية الهجينة؟

منقذ داغر

 

3. إيران تفقد المبادأة

 

تُعد إدامة المبادأة واحدة من أهم مبادئ الحرب في العلم العسكري. حافظت إيران طوال حربها (الرمادية) خلال العقود الماضية على أمريكا وحلفائها في المنطقة والتي تم تفصيل ملامحها خلال المقالين السابقَين على قدر كبير من إدامة المبادأة حيث كانت تختار الزمان والمكان والوسائل لخوض معاركها (غير المتناظرة وغير التقليدية) كالهجمات على القواعد الأمريكية أو على أرامكو أو إستهداف عملاء الاستخبارات أو نشر الميليشيات في المناطق والساحات الحساسة...الخ. لكن السنوات الأخيرة شهدت فقدان هذه المبادأة تدريجياً واستعادتها من قبل أعداء إيران في المنطقة. كان اغتيال الجنرال قاسم سليماني ورفيقه وعدد من قادة الفصائل المسلحة في العراق هو أحد الدلائل على فصل جديد في هذه الحرب الرمادية المستمرة على امتداد دول المنطقة.

 كما ان الهجمات الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني طوال السنوات السابقة والتي لم تكن لتتم لولا تنسيق-استخباراتي على الأقل- مع أمريكا هو دليل آخر على محاولات إستعادة المبادأة من يد إيران. فكيف تغيرت سياسة المواجهة الأمريكية مع إيران؟

في نهاية العقد الثاني من هذا القرن نشرت وزارة الدفاع الأمريكية دراسة بعنوان «الدليل المرجعي السريع عن إيران  Iran Quick Reference Guide « حددت فيه إيران كعدو رئيس يستخدم الحروب غير المتناظرة أو غير التقليدية في مناطق مصالح أمريكا وحلفائها وفصّلت ماهية التهديدات الإيرانية كدليل للقوات الأمريكية لمواجهتها.

جيوش عربية

في نفس الوقت تقريباً صدرت أكثر من دراسة في أمريكا تتحدث عن إستراتيجية (إسرائيلية) جديدة-قديمة لمواجهة الحرب الإيرانية الرمادية الهجينة وغير المتناظرة سميت باستراتيجية «الحملة ما بين الحروب “Campaign between the Wars  أو ما يطلق عليه بالعبرية MABAN  . هذه الإستراتيجية التي تشبه الحرب الرمادية سبق وأن أستخدمها الجيش (الإسرائيلي) في فترات الهدوء النسبي مع الجيوش العربية حيث يقوم بعمليات عسكرية استنزافية ضد خصومه لا ترقى لمستوى الحرب لكنها تستنزف قواه. تشمل هذه العمليات أغتيال العلماء،وغارات جوية على مواقع خاصة،وعمليات قوات خاصة ...الخ. واضح إذاً أن هناك تغيير في فكرة المواجهة مع إيران من حرب تقليدية يخشاها الأميركان ويتجنبها كل الرؤساء بعد بوش، الى حرب رمادية أيضاً لا تستهدف القضاء على إيران أو هزيمتها عسكرياً، بل إنهاكها واستنزافها عسكرياً وأقتصادياً ونفسياً والتخلي عن فكرة الإطاحة بالنظام على يد أمريكا. ولكي تنجح هذه الإستراتيجية فإن على أمريكا وحلفائها الابتعاد عن طريقة التفكير التي تريد إيران منهم تبنيها -وهي التلويح بإمكانية الدخول في حرب شاملة معها- والإعتماد بدلاً عن ذلك على هجمات وحملات منسقة وطويلة المدى تستنزف مصادر القوة الإيرانية بحيث تجعلها واهنة تجاه أية تهديدات إقليمية مستقبلية وهذا ما حصل بالضبط بعد 7 أكتوبر 2023.

وبغض النظر عن الأهداف التي سعت لها حماس، وهي أحد حلفاء إيران في المنطقة، من هجومها في ذلك التاريخ الا أن هذا الهجوم المباغت والمنسق والمخطط بشكل جيد، مثل آخر المرات التي كانت فيها المبادأة بيد إيران أو حلفاؤها. فماهو المزيج الإستراتيجي الذي اعتمدته أمريكا وحليفها الصهيوني في مواجهة الحرب الرمادية الإيرانية؟

هناك عدد من الوسائل التي أستُخدمت لإضعاف القدرات والإمكانات الإيرانية في المنطقة:

1. الحرب الاقتصادية. عانى الاقتصاد الإيراني بشدة من آثار العقوبات الاقتصادية الأمريكية المستمرة ضده منذ عقود والتي تم تشديدها بقوة فيما سُمي بحملة الضغط الأقصى أثناء ولاية ترامب الأولى. لقد فقدت إيران كثير من قدراتها العسكرية وإمكاناتها على إدامة شبكات القوات التي أنشأتها في كثير من بلدان المنطقة فضلاً عن أثارتها لمصاعب داخلية تجسدت بالمظاهرات الصاخبة في كثير من المدن الإيرانية أكثر من مرة.

فصائل مدعومة

2.الحرب السياسية. إذ تم تشكيل جبهة واسعة من الرفض للمشروع الإيراني في المنطقة سواءً بسبب برنامجها النووي أو بسبب شبكة الفصائل المدعومة إيرانياً والتي تهدد مصالح كثير من الأطراف الغربية.

لقد باتت إيران بخاصة بعد حملة الضغط الأقــــــــصى في عهد ترامب شبه معزولة عن العالم بعد أن تحسنت علاقاتها الدبلوماسية مع الــــــغرب كثيراً في أعقاب توقيع الاتـــــــفاق النووي مع إدارة أوباما.

3. حملة الاستفزاز الإستراتيجي. نظراً لعدم رغبة كل رؤساء أمريكا بعد 2003 بالتصعيد الذي يقود إيران للرد بتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، وهو ما قد يجبر الولايات المتحدة للدخول في حرب شاملة، فقد تم توكيل (إسرائيل) لتكون رأس الرمح في الرد على الحرب الرمادية الهجينة وغير التقليدية التي تقودها إيران. كانت إستراتيجية «الحملة بين الحروب» التي صممتها ونفذتها القوات(الإسرائيلية) تستهدف إحراج إيران أمام حلفائها قبل أعدائها عبر إدامة عمليات عسكرية وغير عسكرية مصممة لاستفزاز كبرياء إيران والطعن في مصداقية قدرتها على الرد والردع واللذان هما قوام فكرة الحرب الرمادية. وسيتم إستعراض كيفية تنفيذ حملة الإستفزاز الإستراتيجي التي دمرت كل ركائز الحرب الرمادية الهجينة وغير المتناظرة التي جعلت إيران اللاعب الإقليمي الأول في المنطقة لعقود قبل ان تخسر تلك الحرب خلال الأشهر القليلة الماضية.


مشاهدات 418
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/01/21 - 4:22 PM
آخر تحديث 2025/04/09 - 9:30 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 247 الشهر 8483 الكلي 10589130
الوقت الآن
الخميس 2025/4/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير