فاتح عبدالسلام
لماذا لا يصدّر العراق تجارب الفساد التي تكاد ترميه في الهاوية لكي يجري تدريسها في معاهد ومؤسسات دول أخرى، مقابل أموال تعود للبلد، لكي تنجو البلدان المستوردة لتجاربنا التعيسة من بعض مهاوي الاحتيالات والطرق الملتوية في نهب الأموال العامة والخاصة وتحويل موارد الدولة لتصب في منافع شخصية وحزبية واقطاعية؟
لعلّ العراق بإمكانه أن يفيد من وجه واحد من وجوه الفساد هو تصدير التجارب، نظرياً طبعا، لتنبيه العالم الى مجموعة من الاحداثيات التي إذا وجدت في دولة حوّلتها الى غابة.
من هذه التجارب التي لا تخطر على بال أي جهة أو مؤسسة في العالم معنية بمكافحة الفساد أو تريد حماية ذاتها من مصائب جمّة، ما تمّ كشفه مؤخراً في العراق، من وجود 274 شركة وهمية جرى تسجيلها بأسماء مواطنين أبرياء، من خلال استغلال أوراقهم الرسمية ووثائقهم التي كانوا قد تقدموا بها في سياق معاملات عادية مثل التعيين أو التقاعد أو تسجيل عقار أو شراء قطعة أرض أو وكالة شخصية لبيع أو شراء أو تسجيل مولود أو ترقين سجل مدني أو نقله أو تسجيل سيارة وحيازة إجازة سياقة وسوى ذلك الكثير. ويكون الاحتيال من خلال جعل الضحية مستلماً لمبالغ بملايين الدولارات أو انّ شركته صدرت بضائع لا وجود لها بالملايين والمليارات على امتداد تسع أو سبع أو خمس سنوات، حتى تراكمت أثمان باهظة لدى الدوائر الضريبية مستحقة على اسم الضحية الذي كانت شركات الاحتيال قد نفذت مشاريع نهب العراق من خلال وثائقه من دون أن يدري.
هذه العمليات حوّلت حياة عدد كبير من بسطاء الناس الى جحيم، فالمواطن في النهاية هو مجموعة أوراق ثبوتية رسمية يبيع ويشتري بها، ومن هنا كانت القضايا وبالاً على رؤوس الضحايا وعوائلهم التي بالكاد يعيش بعضهم ضمن الحد الأدنى من متطلبات الحياة.
هنا، لا يمكن القول أنّ القانون لا يحمي المغفلين، ذلك انّ جهات الجريمة المنظمة المدعومة من أصحاب النفوذ استغفلت الدولة كلها ولا يمكن أن يكون المواطن الذي وثّق بأجهزة الحكومة في منحها أوراقه الثبوتية في شؤون عادية قبل أن يتم ارتكاب الجرائم الاقتصادية الكبرى من خلال سرقتها وتجييرها لصالحهم.
الضحايا في حاجة ماسة لحماية الدولة والقانون، ولابدّ من دعم الإجراءات التي تنقذهم من الورطة التي جرى اسقاطهم فيها من خلال الفساد المستشري بكل أنواعه، بما فيها الرسمي والسياسي.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية