فاتح عبد السلام
يبدو انّ الجانبين المتصارعين في غزة يتجهان الى تحقيق اهدافهما، كل بحسب مفهومه، ومن ثم التوقف عن ذلك بوصفه الإنجاز الذي اندلعت الحرب في السابع من أكتوبر من اجله. هدف المقاتلين الفلسطينيين المعلن هو تحرير الاسرى في السجون الإسرائيلية كافة، من دون استثناء. وهدف اسرائيل من عملية الرد العسكري البري بعد القصف الجوي الذي يستهدف المدنيين بشكل مباشر، هو تحقيق حزام أمني جديد لإسرائيل من خلال سيناريوهات واجهت رفضا إقليميا ودوليا وستعود الى تقنين نفسها اضطراراً. والسيناريو الأول كان تهجيرا جماعيا لأهالي غزة وتحويل القطاع، لاسيما الشمال والوسط منه، الى منطقة غير صالحة للحياة، وتكون بمثابة المنطقة العازلة. والسيناريو الثاني إعادة احتلال أجزاء كبيرة من قطاع غزة بطريقة مباشرة، وهو المشروع الذي رفضه الأردن ويدرك انهم يهدفون منه الى موجة ترحيل تصل الى الاراضي الأردنية ولا تقتصر على سيناء. مصر لا تزال دولة قوية لها عمق استراتيجي بتعدادها السكاني وجيشها أيضا وانّ»التحرش” بها يعني نسف اتفاقية السلام الموقعة في كمب ديفيد معها، وهذا الخط لا تريد تل ابيب الوصول اليه، وتعرف خطورته الجدية عليها لأنه سيكسر كل القيود والالتزامات على الجبهات الهامدة الأخرى ايضاً. كما انَّ الأردن لايزال ملتزما باتفاقية وادي عربة، وانّ المساس بالاتفاقية من جانب إسرائيل سيوقعها في مطبات حقيقية غير مستعدة لها مهما أبدت من تعسف وتعال وغطرسة عبر القوة العسكرية.
لذلك ستقف إسرائيل عند نقطة محددة في عمليتها البرية المحدودة وستعدها الانجاز المطلوب والمنشود والذي سيبرر لها إعادة الانسحاب الى غلاف غزة مجدداً، وترك الشمال الغزاوي مدمراً ومهجوراً، وغارقاً في جراحه لفترة طويلة، وستخضعه للتغطية الجوية لكيلا يعود كما كان قبل السابع من أكتوبر، من حيث سهولة الحركة والاستخدام. لكن في النهاية لن تستطيع إسرائيل بعد الهزة العنيفة التي ضعضعت كيانها ان تعيد احتلال القطاع.
وستذهب إسرائيل الى صفقة تبادل الاسرى، العملية التي لا يمكن ان تتم بشكل شامل ودفعة واحدة، ولكنها ستكون مجدولة على فترات زمنية، بضمانات مصرية، وهذا التباعد الزمني سيروق لإسرائيل لأنها تضمن انّ ما بين فترة تبادل وأخرى ضمن الجدول، لن تحدث عمليات عسكرية ضدها، حتى لا يخسر الجانب الفلسطيني تحقيق هدفه في إطلاق أسراه. وهنا سوف تصر “غزة” على إطلاق مروان البرغوثي بعد أكثر من عشرين سنة في الأسر، اذ يمكن ان يكون ركيزة التقارب المقبلة بين الحركتين الرئيستين في الضفة والقطاع.
ربما السقف الزمني للشروع بالترتيبات الجديدة التي تعني ايقاف الحرب، لن يتجاوز ثلاثة أو أربعة أسابيع.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية