فاتح عبدالسلام
حرب غزة، لن تُحسم بالقوة العسكرية أبداً، مهما اشتدت المعارك وعلت نبرات التفسيرات الدينية والعقائدية والعاطفية التي تشغل المشهد الشعبي في كل مكان. واسرائيل تفتقد الى عامل الحسم بمفردها هذه المرة.
ويبدو انّ الصفحة السياسية التي بإمكانها أن تضع حدا للحرب وتفرض وقف إطلاق نار جديد، قد بدأت بعد اعلان وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن بالعودة الى الشرق الأوسط وخاصة الى عمان وتل ابيب. وهذا هو نتاج أمرين جرى الاشتغال عليهما بشكل مكثف طوال الأسابيع الثلاثة الاخيرة.
الامر الأول، هو ضمان مؤكد، ولكنه ليس مطلقاً لعدم توسيع الحرب ولعدم اشتراك أطراف أخرى مؤثرة في المعادلة العسكرية، وهما إيران وحزبها الموالي في جنوب لبنان. امّا ما يقوم به الحوثيون في اليمن من إطلاق صواريخ ومُسيّرات فلن يكون ذا تأثير بمجريات الحرب.
والأمر الثاني هو المشاورات الدولية الامريكية الأخيرة حول مصير الشرق الاوسط والمصالح الغربية ومصير إسرائيل ذاتها، مع الاخذ بالاعتبار وجهة نظر حلفاء الغرب في مصر والأردن، في اطار رؤية من الترتيبات الجديدة في المنطقة ترسم معالم الدخول في مفاوضات» سلام» تضع حرب غزة ونتائجها وما بعد ذلك من الحاجة لإعمار القطاع في كفة موازية لعملية سياسية، ستكون في قلب آلياتها سلطة حماس الحاكمة في غزة فضلا عن السلطة الفلسطينية في رام الله. ونجاح هذا الامر يتطلب الاستجابة لشرط “حماس” في فك الحصار عن قطاع غزة، ولا أدري كيف سيكون جوابها على الشرط المقابل المطروح في نزع سلاح الجناح العسكري.
في حال، أن حاولت ايران التي أوفدت وزير خارجيتها الى قطر قبل أيام لاستطلاع ما يجري، لعبَ دور “خارج” هذه الرؤية الدولية الجديدة، فإن الخيارات الأكبر ستنزل الى الطاولة، وبإشراف امريكي مطلق ذلك انّ واشنطن متعهدة ان تكفل أمن عدد من الدول بينها إسرائيل، بالدعم العسكري المباشر.
من الصعب ان تنسجم طهران مع أية رؤية جديدة للمنطقة ما لم تكن قد أفادت منها لصالح مشاكلها المعلقة والمزمنة ومنها الملف النووي الخاص بها والعقوبات التي اضعفتها كثيراً، لذلك فإنّ خيارات التصعيد لا تزال قائمة عبر أذرع إيران في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.
في الوقت نفسه، لا تريد ان تمنح واشنطن امتيازات توحي بالتفوق الإقليمي والمحلي لإيران او حركة حماس وحزب الله بعد ان تقف الحرب.
معادلات صعبة، سيكون بلينكن مواجهاً لاستحقاقاتها هذه المرة. بعد ان بدا طرفاً في الصراع في زيارته الأولى، وليس ممثلا للدولة الكبرى التي ترعى « السلام» في الشرق الأوسط، ولو نظرياً.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية