فاتح عبدالسلام
يبدو انّ أي مدينة عربية تحتاج أن تعيد رسم تخطيطها البنائي على أساس وجود ملاجئ للطوارئ كافية في زمن الحروب. لا وقت محددا لوقوع الدول تحت نار الحروب.
في العراق كانت هناك ملاجئ انتشرت منذ نهاية الستينات من القرن الماضي، بشكل خفيف وشبه نادر وبأعداد قليلة وربما رمزية. ولم تكن تتوافر على سعة في المساحة أو ميزات بناء خاصة بالأماكن المضادة للقصف. وكان ذلك مرتبطاً بأجواء آخر الحروب بين العرب وإسرائيل في حينها، أي العام 1967
وفي العقد الذي اعقب ذلك، قامت الدولة العراقية بتقديم منح خاصة لبناء الملاجئ في المنازل، وكانت عبارة عن غرف بقياسات ضيقة فوق الأرض، وفي مكان منزو من مساحة البيت أو في حديقته، ويكون البناء مُحصناً بطبقة سميكة من الكونكريت المُسلح. وكانت لجان تفتيش تخرج في جولات للتأكد من المواصفات المطلوبة قبل إتمام إعطاء المنحة المجزية في ذلك الوقت لمَن يقرر بناء الملجأ. ولم يكن هناك اهتمام بذلك الامر، الا من باب الحصول على المبلغ المالي الذي سعى بعض المواطنين للإفادة من توفير قسم منه لصرفه على احتياجات أخرى، ذلك انّ شبح الحرب بدا بعيداً ، وربّما بعيداً جداً في نهاية السبعينات قبل ان يستيقظ العراقيون في الثاني والعشرين من أيلول العام 1980 على غارات إيرانية واسعة على مختلف المدن بعد الضربات الجوية العراقية المفاجئة على أغلب المطارات في العمق الإيراني . ولأنّ الحرب لم تكن خاضعة لثقل القصف الجوي بعد أسابيع قليلة، اذ كادت القوة الجوية الإيرانية تقتصر على ساحة
العمليات في الجبهة فقد تلاشت فكرة الحاجة الى ملاجئ، ولم تعد الدولة التي انشغلت بالمجهود العسكري المباشر قادرة على توفير مبالغ مالية لمنحها للمواطنين من اجل الملاجئ المنزلية. وانتهت الحرب العراقية الإيرانية في 1988، ما لبثت حرب أخرى كبيرة ان اندلعت في 1991 وكانت الحاجة ملحة عند كل مواطن لملجأ آمن بعد موجات القصف بالصواريخ والطائرات الامريكية، لكن الوقت كان قد فات، وبدأ الناس يفكرون بالفرار الى القرى والارياف بعيداً عن المدن التي باتت مستهدفة، لأنها تضم مرافق حيوية لإدامة الحياة ادرجوها على قائمة القصف كحال القطعات في الجبهة الجنوبية.
ثم حدث الحصار الدولي القاسي، وكانت الحرب في الأفق دائما طوال ثلاثة عشر عاما حتى وقعت فعلا في 2003 ومع الجيش الأمريكي ذاته وقد ازداد قوة مذهلة على القصف. لم يكن للعراقيين ملاجئ مطلقاً لأنّ سنوات الحصار كانت بالكاد تتيح لهم توفير لقمة العيش فكيف ببناء ملاجئ. غير انّ العراقيين كانت لهم عقدة أخرى بعد قصف الطائرات الامريكية ملجأ العامرية المحصن والمبني من شركة اجنبية ببغداد وقتل المئات في 1991
وتساوى لديهم الاحتماء بالعراء او بالسقف المحصن، في أجواء كان الموت محدقا بكل شيء. أتذكر بعضا من مآسي العراق، ونحن نرى الأطفال والمدنيين لا ملجأ لهم في غزة تحت القصف الإسرائيلي العنيف، من دون أي رحمة، وقد رأينا الموت يحصد المدنيين قبل سنوات قليلة في الموصل وحلب، من دون وجود ملاجئ لهم.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية