لم أكن مخمورأ تاماً عندما شرع النادلون المسرولون بالبياض والمقمصنون بالسواد ، بشطف صدر الحانة وذراعيها والدرج العريض النازل إلى خاصرة الشارع وكشك الجاحظ العتيق ، حيث الكتب البائرة والشحاذ الأعمى الذي ينتظر هبوط السكارى الطيبين ، طمعاً ببقايا جيوبهم المقلوبة على بطانتها أصلاً ، والتي تظهر خارج قماط الجسد كأنها لسان احتجاج باهت يكاد يغني وينوح .
في المرحاض العطن شاهدت سناً منخورة واقفة على كتف مغسلة اليدين . هنا نبع على شاشة الذاكرة الصعلوك الأعظم جان دمو وراعي البقر الشرير كاري كوبر .
قطع مؤقت : بمرسم ومنحت ومنام ومطبخ غسان مفاضلة ، ثمة قطيع فخم من القطط التائهة.
أنا أتعاطف مع هذه الكائنات المتحركة كثيراً ، لكن شعوري بوجع مباغت فز في أسفل ظهري المنحني ، جعلني أخلع حذائي الضخم وأزرعه فوق ظهر قطة تعيسة خرجت من النص .
حزنت وكدت أبكي على منظرها وهي تطفر السياج برمشة عين ، ولمت نفسي على هذا السلوك الأرعن ، ثم استدرت دورة عاطفية حاسمة وقلت لروحي اللائبة ، إن هذا الصنف من السلاح الأبيض لا يترك خلفه إعاقة أبدية أو نزيز دم فائر أو حتى مثقال إهانة .
عودة ثانية لمواصلة القص :
منظر السن المنخورة ما زال يركل رأسي المحشو بغناء الليلة الفائتة .
سأعود غداً إلى الحانة كي أعدّل الرؤيا .
سأدس بيمين الشحاذ المتهدل رغيف خبز ومصافحة قوية .
سأجلس هذه المرة وحيداً في ركن المشرب المنسي ، حيث سيكسر محمد طمليه إطار الصورة المعلقة المأكولة زاويتها اليسرى بخط أسود عريض .
سيقاسمني مائدتي ويرفع كأسه الأولى بصحة بغداد العليلة .
سيقرأ عليَّ وحشته هناك ، فأرد عليه بما أراه من دفتر وحشتي هنا .