حسن النواب
استهلَّ بعض الأدباء باكورة غنائمهم مع نشوب الحرب العراقية الإيرانية، حيث تمكنوا من الانخراط بالمؤسسة العسكرية؛ في جريدة القادسية ومجلة حرَّاس الوطن بالتحديد؛ وبذلك أنقذوا حياتهم من جحيم الحرب التي حصدت مئات الآلاف من الأبرياء؛ ولا مثلبة على هذه الغنيمة ما داموا قد نجحوا بالإفلات من حماقات الطاغية، بالوقت الذي قضى أقرانهم من الأدباء حياتهم العسكرية تحت وابل القصف، منهم من استشهد أو تعوَّق أو فرَّ من أتون الحرب وشبح الرعب يطاردهُ ومشهد الإعدام بالرصاص لم يبرح مخيلته إذا ما ألقي القبض عليه، حتى جاءت سنوات الحصار فبدأت مغانم جديدة للأدباء بعد انهيار منتدى الأدباء الشباب واتحاد الأدباء بأمر طائش من الأرعن عدي بتأسيس التجمع الثقافي، واختارَ بعض الأدباء للعمل تحت وصايتهِ في جريدة بابل السيئة الصيت؛ وفي الأقسام الثقافية لجريدة الثورة والجمهورية والعراق بعد أنْ أصبحت تحت إشرافه؛ فانتعشتْ حياتهم المعنوية والمادية. في تلك الفترة كانت هناك غنيمة لمعظم الأدباء وهي منحة بقدر 150 دينار، ولك أن ترى نهاية كل شهر طوابير الأدباء الطويلة في اللجنة الأولمبية لاستلام تلك المكرمة البائسة؛ حتى أمر الأرعن بعد عامين وفي لحظة ثمالة إلغاء التجمع الثقافي وعودة اتحاد الأدباء إلى وضعه الطبيعي، فاضطربتْ حياة أولئك الأدباء الذين انتقاهم للعمل معهُ وأخص المقربين من مكتبه في جريدة بابل وفي اللجنة الأولمبية؛ منهم من نجح بالفرار إلى خارج البلاد، ومنهم من اختار البقاء بعد أنْ حافظ على منصبه في الجريدة. غير أنَّ أدسم الغنائم التي حصل عليها بعض الأدباء كانت من خلال تكريم قصائد المديح التي كانوا يكتبونها للطاغية، وحصل أحدهم على لقب شاعر أم المعارك مع امتيازات مادية يسيل لها اللعاب. لحقها غنائم أدباء السرد من خلال نشر رواياتهم مقابل مكافآت سخية بأمر من الطاغية، وحصولهم على قروض بالملايين من المصارف الحكومية مقابل تقديمهم مخطوطة رواية؛ مع استمرار المكرمة الشهرية لجميع الأدباء إلاَّ ما ندر منهم والتي كانت من 100 إلى 150 ألف دينار حتى سقوط النظام الدموي في نيسان من عام 2003. أما غنائم الأدباء في العهد الجديد فقد بدأت من تنصيبهم رؤساء ومدراء تحرير لجريدة الصباح الحكومية ومجلة الشبكة العراقية، والغريب في الأمر والذي يدعو للتساؤل؛ إنَّ الذين كانوا اليد اليمنى للأرعن عدي، والذين برعوا في كتابة قصائد المديح للطاغية؛ عادوا ليتسنموا المناصب الرفيعة في العهد الجديد، منهم من أصبح مستشاراً في القصر الرئاسي ومنهم من أصبح وكيل وزارة ومنهم من تسلَّل بهدوء ليصبح رئيساً لاتحاد الأدباء وبعضهم عادوا بلا حياء كأعضاء في المكتب التنفيذي لاتحاد الأدباء
. وتلك قسمة ضيزى وحق الكلمة، فالذين زجَّوا بالمعتقلات إبَّانَ النظام الدموي عمدت المؤسسة الثقافية على تهميشهم الآن، ولم يحالفهم الحظ إلا براتب السجين السياسي وهذا أقل ما يستحقونه. بالوقت الذي حافظ بعض الأدباء البرغماتيين على علو كعبهم في عهد الطاغية وفي الوقت الحاضر. فأية مقدرة عجيبة يمتلكونها هؤلاء على استبدال جلودهم؟ ربَّ قارئ يسألني وماذا كانت غنيمتك؟ فأجيب بكل وضوح، كنتُ قد اشتركت في مسابقة شعرية أعلن عنها في الصحف الرسمية وفازت قصيدتي مع عشرين شاعرٍ بمقابلة الطاغية في القصر الجمهوري، بالوقت الذي فازت قصيدة لأخي الراحل علي النواب أيضاً، ولما علمت وزارة الثقافة أنَّ القصيدة لأخي، قررت حجبها ومنعه من الذهاب معنا، حتى أني حاولت إعطاء القصيدة لصديقي كزار لكنهم رفضوا، وهددوا بحجب قصيدتي أيضاً مالم أشر إلى اسم الطاغية الصريح في نهاية القصيدة، كان الشاهد على هذه الواقعة صديقي الشاعر خزعل الماجدي الذي كان برفقتي عندما طلب مني مسؤول رفيع بإضافة اسم الطاغية في آخر القصيدة. ذهبنا إلى القصر الجمهوري ومن حسن الحظ أنَّ الطاغية بعد ساعة من اللقاء انصرف من القاعة ولم اقرأ قصيدتي؛ عدنا لفندق بابل واستلم الشعراء البسطاء 750 ألف دينار، بينما كان نصيب شعراء السطلة مليون دينار، الذي أحزنني أن مكرمة أخي الراحل استولى عليها المسؤول الرفيع وقد تم توزيعها على أفراد مكتبه في وزارة الثقافة. بعد فراري من البلاد في شباط من عام 2002، كان لا بد من التحاق زوجتي وطفليَّ إلى الأردن، فحصلتْ أم تبارك على ورقة طلاق من المحكمة بعد عناء لمدة عام وصار بوسعها السفر برفقة أخيها. كان لابد من تدبير مبلغ ضريبة السفر البالغ أكثر من مليون دينار لها ولشقيقها وطفليَّ. فأرسلتُ لها 350 ألف دينار من الأردن، وضعتها على مكرمة الطاغية 750 ألف دينار وأعطتها لمكتب الجوازات؛ وبذلك عادت مكرمة الطاغية للدولة وفوقها 350 ألف دينار. تلك هي الغنيمة الوحيدة التي حصلت عليها عزيزي القارئ. أما عن غنائم الأدباء من تحت الطاولة في الوقت الحاضر؛ فالحديث عنها يطول حتى يشيب الرأس. ولنا عودة على سنوات البطش والمحنة والجوع والتهديد والوعيد وأحوال الأدباء إنْ أسعفتني الذاكرة التي بدأت بالذبول.