منذ أن قامت العملية السياسية في العراق قبل عقدين من الزمن، جرى ابتداع سلوك ناشز لا يقل في فحواه ومعناه عن اية ممارسة ديكتاتورية مقيتة، وهو انّ نوّاباً أو وزراء يكتبون استقالاتهم، مُجبرين أو برضاهم، ويسلمونها الى يد “ المعلم” الكبير الذي يسيّرهم كيف يشاء، وحين يخرجون عن طاعته، يقوم بإقالتهم، وطوال فترة بقائهم في المنصب يعملون كأجراء أذلاء مكسوري العين تحت يديه. وهذه الممارسة تشبه عمليات التسقيط التي تمارسها اجهزة المخابرات في بعض دول العالم ضد معارضين سياسيين، حين تقوم الأجهزة بتسجيل فيلم جنسي للمعارض مع امرأة يرتبون ارسالها اليه للأيفاع به ومن ثمّ اسكاته أو جعله ناطقاً باسمهم في كل مجلس ومحفل.
لكن هناك اختلافات بسيطة بين الحالتين، إذ في الحالة الأولى، تكون العملية بالتراضي بين النائب أو الوزير و» المعلم الكبير» في حين تكون الحالة الثانية بالإكراه والتلصص السري.
لكن التصرفين هما من أنواع سافلة جدا في العمل السياسي، ويوحيان بأنّ عالم الغابة هو السائد في غياب كامل للقيم السامية، وانّ هناك بضعة أنفار تتحكم بمصير شعب كامل.
لو أتيح لي تقويم حالة توقيع النائب أو الوزير على استقالته قبل وصوله الى المنصب وايداعها في خزنة ذلك الكبير الذي جاء به، لوجدت انّ جريمة النائب أو الوزير هي أكبر من جريمة رئيسه الذي أجبره على ذلك، فثمة فارق شاسع بين الشاري وبين من يبيع نفسه، لأنّ مَن يريد ان تكون له إرادة حرة ويمثل الشعب الحر لن يقبل أن يكون في موقع انحطاطي مبتذل، ربّما ترفض الساقطات أحياناً أن يضعن أنفسهن فيه.
انّ العراقيين الصابرين ليسوا جميعاً على علم بتفاصيل الصفقات التي يُباع فيها المنصب ويُشترى، ومن ثمّ يعاد بيعه ثانية والمزايدة عليه غالباً، قبل أن تظهر النتائج التي تتداولها وسائل الاعلام.
بعد ذلك، يريدون من العراقيين أن يصدّقوا أنَّ أولئك الذين وقعوا استقالاتهم قبل تسلم مناصبهم سيحفظون العهد الوطني والقسم الحكومي أو البرلماني وسيحاربون الفساد والجريمة ويدافعون عن استقلال البلاد وسيادتها وعزتها.
هذا التناقض هو أهم أسباب الانهيار الكبير المقبل، لكن لم يحن توقيته حتى الآن، بالرغم من انه حتمي.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية