كان اللغط لايزال قائماً حول مشروع الاتفاقية الصينية مع العراق، حين وصل الرئيس الصيني الى السعودية ووقّع الاتفاقية الاستراتيجية مع الرياض في خطوة كبرى تتضمن اكبر بندين يشغلان العالم ويحركانه هما الأمن والطاقة. عدم الارتياح الأمريكي واضح منذ يومين حين أشار المتحدث الأمريكي الى انّ تمدد نفوذ الصين يكسر قواعد دولية. لكن في المحصلة هناك انفتاح من أكبر دولة عربية في الاقتصاد على الصين في إطار توجه واضح لتنوع مصادر الدعم الدولي والتعاون والاستثمارات، وهذا ينسحب على الامن. أهمية ذلك تأتي من نواح عدة أهمها انّ هناك تغيراً في النظرة السعودية إزاء الاعتماد على قطب أوحد في العالم، اثبتت التجارب لاسيما في الصراع البارد وبالنيابة مع إيران وفي اليمن انّ هناك اجندة أمريكية لها أولويات مختلفة عن الأولويات السعودية فعلياً بالرغم من التحالفات الاستراتيجية والتي توجتها القمة الامريكية العربية بالرياض قبل فترة قصيرة.
غير انَّ الاتفاقية الصينية مع العراق تعني أموراً مختلفة، لأسباب كثيرة أهمها وضع الفساد الكبير في العراق والذي
لا علاج له مطلقا مع هذه المواضعات السياسية المتداولة، وانّ كل ما يتم من كلام عن إجراءات انما تلامس المحيط الخارجي ولا تدخل الى العمق، وانّ الفساد كمنظومة يدمر أكبر اتفاقية مهما كانت جهود الصين لإنجاح ذلك.
والسبب الاخر هو انّ النفوذ الخارجي متوغل في العمق العراقي ويحرك القرار والتصرف والاتفاقات طوعاً أو كرهاً. كما انّ الولايات المتحدة التي خاضت حربا شوهت سمعتها ونزفت بسببها الكثير من الدماء والأموال ليست بصدد تسليم منطقة نفوذها مجاناً للقوة المنافسة لها في العالم، وهي تعي إمكانية التقارب السريع الذي من الممكن أن يحدث بين إيران والصين أيضا، وهذا يعقد المشهد الأمني على الامريكان في هذه المنطقة الساخنة.
انّ السعودية تتعامل بندية مع الصين في استقبال استثمارات والتعاون العسكري والأمني، أمّا العراق الذي لم يبنِ نفسه في السنوات العشرين الأخيرة التي ضاعت هباءا في عدم الاستقرار والنهب المنظم، لا يستطيع أن يكون، بوضعه الحالي، الطرف القادر على الإفادة من الصين استراتيجيا من دون أن يرتهن قراره واقتصاده اكثر مما هو فيه من تردٍ مشهود اليوم.
ليس امام العراق فرصة صينية قبل أن ينهض اقتصاده ووضعه العام من خلال التعاون في النطاق الإقليمي .
رئيس التحرير-الطبعة الدولية