الدرباشة مع علي الوردي ورأيه في الممارسة
محسن حسين
هذه الصور التقطت في شهر ايار عام 1957 ( قبل 65 عاما) في حفل مرعب للدرباشة حيث كان الدراويش يقومون بفعاليات كنا نسمع بها ونعدها من الخوارق تمارسها جماعات صوفية.
في تلك الايام في العهد الملكي وكنت اعمل في مجلة الاسبوع التي تصدر عن جريدة الشعب وكان الدكتور علي الوردي يتردد علينا بشكل دائم ويكتب بعض المقالات جاءنا ذات يوم واخذنا نحن مجموعة من الصحفيين العاملين في المجلة لمشاهدة الدرباشة في غرفة صغيرة في الحضرة الكيلانية في باب الشيخ ببغداد.
ذهبنا مع الوردي ونحن متشوقون لرؤية الخوارق التي كنا نسمع بها. كنا حافظ القباني ورشيد كرم وسليم طه التكريتي والرسام عازي عبد الله وسعيد الربيعي وانا.
هناك شاهدنا فعلا اعمالا مدهشة بعضنا قال انها من عمل السحر والبعض الاخر اعتبرها من اعمال الشعوذة والبعض قال انها من الخوارق او هي من اعمال التنويم المغناطيسي .وكان الوردي يدرس ردود الفعل ويحلل ويستنتج كعادته في الظواهر التي حفل بها المجتمع العراقي.
وبينما كان الدراويش يضربون على الدفوف ويتمايلون بايقاعات بدت لنا غريبة وهم يرددون عبارات المديح للنبي محمد (ص) والاولياء الصالحين الى ان فقد البعض منهم وعيه وفجأة توقف ضرب الدفوف وساد صمت رهيب فترة قصيرة ثم عادت الدفوف في ايقاع سريع فتقدم احد الدراويش وسحب درباشة (شيش من الحديد) كانت معلقة على الحائط وصاح بكلمات لم افهمها وفي لحظة ادخل الدرباشة في بطنه وسحب ثانية وادخلها في رقبته وثالثة في الجهة اليمنى من وجهه فاخترقت الوجه وظهرت من الجهة اليسرى ثم تقدم شيخ الحلقة وادخل خنجرا في عينه وراح يدير الخنجر يمينا ويسارا كأنه يريد قلع عينه وتكررت هذه الاعمال دون ان يظهر على الدراويش اي شعور بالالم وبدون دماء وبعد ذلك باسبوع احذنا الوردي الى حلقة اخرى في الكرادة الشرقية حيث شاهدنا رجلا يمشي حافيا على صاج ساخن وعلى الجمر بل على الحطب الملتهب اضافة الى ما شاهدناه في الحلقة الاولى.
حلقات الدرباشة
تلك كانت من اغرب ما شاهدته في حياتي الصحفية وفي حينه اثار تنظيم الدكتور علي الوردي زيارتنا لحلقات الدرباشة انتقادات عديدة رد عليها بمقال في المجلة قال فيه: "حين ذهبت مع اخواني محرري المجلة الى حفلة الذكر في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني امتعض مني فريق من الادباء وضحك على ذقني فريق اخر. لقد صرت في نظرهم درويشا مشعوذا . انهم يجزمون بان الخوارق المعروفه عن تلك الحفلات مكذوبة كلها ولا فائدة اذن من الذهاب اليها او من العناية بفحصها. لقد كان الواجب العلمي يقضي عليهم ان يأتوا معنا الى الحفلة ليشهدوا الخوارق باعينهم ويلمسونها بايديهم ولكنهم لم يفعلوا . انهم لا يريدون ان يكلفوا انفسهم عناء البحث او لعلهم متعصبون لا يودون ان يغيروا افكارهم التي اعتادوا عليها. قد يقول البعض منهم عن الخوارق بانها من قبيل السحر وخداع البصر. واذا كان الأمر كما يقولون فلماذا لا يذهبون اليها ليدرسوا خداع البصر الذي يزعمزنه . اليس خداع البصر من الظواهر النفسية التي يجب ان تدرس.
المظنون انهم ورثوا الكبرياء والتعالي الفكري من اسلافهم وكأنهم يعتبرون الفكر اسمى من ان ينزل الى مستوى العامة او يفحص ما يعتقد به الناس من حقائق أو أوهام. انهم يكتفون بان يجلسوا على الاريكة الوثيرة يتأملون فهذا هو سبيل العلم في رأيهم، وهم ينسون انهم يعيشون في القرن العشرين".