الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شاكر حامد مراسل حربي بساحة النزال العلمي

بواسطة azzaman

شاكر حامد مراسل حربي بساحة النزال العلمي

صحفي ينزع درعه وخوذته ويقاتل في قاعة الإمتحان

طه جزاع

يُنسب للإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت قولٌ مفاده (ساحةُ حربٍ ولا قاعةَ امتحانٍ)، وهذا الباحث الماثل أمام لجنة المناقشة التي كنتُ أحد أعضائها طالما ارتدى دِرع الصحافة وخوذتَها ليُطلَّ على الناس وهو ينقل أخبار القتال مراسلاً حربياً متميزاً ومتدفقاً وشجاعاً، لكنه في هذه الساعة التي استبدل فيها الدرع والخوذة الحربية بالروب الجامعي، وضع كل تاريخه الطويل في العمل الإذاعي والتلفزيوني جانباً، وجاء حاملاً رسالته ” الوعي المهني وعلاقته بدافع الإنجاز لدى المراسل الحربي” ليدافع عنها متسلحاً بالمعرفة والقدرة على تقديم نفسه باحثاً جاداً شاءَ أن يُتوّج خبرته المهنية الطويلة ببحث علمي يحصل بموجبه على شهادة الماجستير في العمليات النفسية من قسم علم النفس بكلية الآداب في جامعة بغداد.

ويوم أخبرني الباحث شاكر حامد أنه اقترح اسمي على رئاسة قسم علم النفس لأكون عضواً في لجنة المناقشة لم أتردد في الموافقة لأسباب كثيرة، أولها تاريخ طويل من الزمالة والصداقة يمتد لأربعين عاماً، يوم كان شاكر يحاول أن يجدَ له مستقراً لمواهبه المتوزعة ما بين التمثيل والإخراج المسرحي والإذاعة والتلفزيون، والعمل الصحفي الذي تعرفتُ من خلاله على هذا الشاب الأسمر القادم من الناصرية، وكانت مدرسته الابتدائية في مدينة أور التاريخية، قبل أن ينهي دراسته المتوسطة ويشدَّ الرحال إلى بغداد طالباً في قسم السينما والمسرح بمعهد الفنون الجميلة، ثم طالباً في قسم الفنون السمعية والمرئية بكلية الفنون الجميلة وهي السنوات التي كان يجرِّبُ فيها مقدرته في العمل الصحفي الطلابي بمجلة “صوت الطلبة” حيث التقينا في أول الطريق الذي أوصله فيما بعد إلى حيث موهبته الحقيقية في العمل الإذاعي والتلفزيوني.

ومن ثم وجد نفسه في عصر الفضائيات مراسلاً يُشار له بالبَنان، ورقماً صعباً في ساحة المراسلين الحربيين، وكانت له مواقف مشهودة بالكرم والطيبة ونكران الذات يذكرها له زملاؤه ومن عمل بمعيته مراسلاً لقناة الجزيرة الفضائية خلال سنوات الحصار الذي فرض على العراق، بل إنه كان يحاول أن يمدَّ يد العون من خلال عمله ومسؤوليته للكتاب والصحفيين والأدباء في تلك السنوات المرَّة القاسية باستضافتهم في هذه القناة، أو تكليفهم بالكتابة حين أصبح مديراً للمكتب الإقليمي في الشرق الأوسط لمؤسسة الإمارات للإعلام ومراسلاً لقناة أبو ظبي في بغداد، وهي القناة التي برز فيها مراسلاً حربياً وعرض نفسه للمخاطر في الأيام الأولى لدخول القوات الأميركية المحتلة التي أطلقت قذيفة دبابة على فندق فلسطين ميريديان مركز تجمع الإعلاميين والقنوات الفضائية ومنها الجزيرة وأبو ظبي.

وبعد احتلال العراق حمل شاكر حزنه وحقيبته وعدته وأحلامه وطموحه، ليصنع كأي إنسان عصاميّ يقارع اقدار الحياة، قَدَرَهُ الجديد مراسلاً ومحرراً ورئيساً للتحرير في هيئة الإذاعة والتلفزة البريطانية في لندن BBC وليُبْلي بلاءً حسناً مراسلاً حربياً لهذه المحطة العالمية خلال معارك تحرير المدن العراقية من قبضة الجماعات الإرهابية، مرافقاً للعديد من القطعات العسكرية في معاركها الحاسمة، وملتقياً العديد من القادة والضباط والجنود في مقراتهم وصولاتهم.

لجنة المناقشة

هذا كانَ أوَّلَ الأسباب التي حفزتني لقبول عضوية لجنة المناقشة، أما الأسباب الأخرى فإنها تتعلق بطبيعة الموضوع الذي اختاره الباحث، وهو من الموضوعات التي تزداد أهميتها يوماً بعد آخر، بسبب اشتداد حدة الصراعات والنزاعات المسلحة في عالمنا الراهن الذي خيَّبَ ظن البشرية بانتهاء عصر الحروب وركون الدول إلى لغة العقل والمنطق والسلام وفضِّ منازعاتِها بالطرق السلمية والدبلوماسية، لكنه ارتدَّ على عقبيه وعاد إلى عصر الهمجية والقسوة والتوحش بأسوأ ما تكون العودة سيما مع التقدم الهائل في صناعة الأسلحة التي تفتك بالإنسان  وتدمّر المدن والبنيان في لمحة بصر، مما جعل من مهنة المراسل الحربي مهنة دائمية، لا وقتية مثلما يجب أن تكون، بل جعلها من أخطر المهن في العالم بعد أن خرجت الحروب المعاصرة عن كل المفاهيم الإنسانية والأخلاقية، والالتزامات القانونية، وضربت ما يسمى بـ ” قواعد الاشتباك” عرض الحائط، حتى بلغ عدد الصحفيين والمراسلين الحربيين الذين فقدوا حياتهم خلال سنة واحدة من حرب الإبادة الجماعية الصهيونية في غزة أكثر من 175 أي بمعدل حوالي 15 صحفياً في كل شهر.

وهذا ما لم تشهده أي حرب من قبل، وما لم تشهده الحرب العالمية الثانية التي قتل فيها أقل من سبعين صحفياً خلال ست سنوات هي عمر الحرب كلها!. ولذلك أصبحت مهنة المراسل الحربي من المهن التي يجب أن تلقى العناية الكافية  والاهتمام على الصعيدين البحثي والقانوني من أجل وضع توصيفات جامعة مانعة لهذه المهنة، والسعي لدى الحكومات والمنظمات الإنسانية للحثِّ على وضع القوانين المُلزِمة التي توفر الحماية للمراسل الصحفي وتحافظ على حقوقه وخصوصية صفته الصحفية في ساحات الوغى التي تختلط فيها الصفات، ويجد المراسل الحربي نفسه فيها وقد أصبح هدفاً للترويع والقتل بدم بارد من دون أي اعتبار لعُدّته غير القتالية من قلم وكاميرا وخوذة ودرع يحمل كلمة PRESS  بحروف بارزة تسرُّ الناظرين!.

  أما رسالة شاكر حامد فهي تهتم بأحد الجوانب النفسية المهمة للمراسل الحربي، وتختبر بمقاييس إحصائية علمية مستوى وعي المراسلين بطبيعة مهنتهم وعلاقة ذلك بدافعيتهم للإنجاز في عملهم، وقد اختار 354 مراسلاً ومراسلة كعينة لبحثه وفق متغيرات الجنس والحالة الاجتماعية والعمر والتحصيل الدراسي ومدة الخدمة، لمعرفة الفروق الإحصائية، والخروج بنتائج وتوصيات أكدت على تعزيز الثقافة السيكولوجية للمراسل الحربي.

كنتُ وأنا أستمعُ اليه، وأتابعُ دفاعه بحماسة ولباقة عن رسالته التي حصل فيها على الامتياز، استحضرُ في مخيلتي ذلك الشاب المثابر الطموح الذي عرفتُه قبل أربعين عاماً، وها هو اليوم أمامي مُكللٌ بتاج الشيب الذي غزا رأسه، لكنه لم يفقد شيئاً من طراوة الروح، ومرح النفس، واندفاعة الشباب، ولم تنطفئ فيه جذوة العاطفة الجياشة التي فارت بدُميعاتٍ لمعنَ في أطراف عينيه وهو يمسك الميكرفون ليشكر زوجتَهُ وأسرته على مساندته والوقوف معه في مسيرة النجاح التي قطعها بروحية المراسل الحربي الشجاع الذي لا يخشى المخاطر.

ها هو في نهاية المطاف ينزع درعه وخوذته … ويقاتل في قاعة الامتحان!

 


مشاهدات 174
أضيف 2024/10/12 - 12:07 AM
آخر تحديث 2024/10/19 - 5:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 309 الشهر 7843 الكلي 10037566
الوقت الآن
السبت 2024/10/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير