عندما تكتب بصدق
شاكر كريم عبد
ما انقى واروع الاقلام التي تكتب بصدق وطهر الحروف، عندما تجد مايعكر سكينة الوطن والمساس به، وبكرامة شعبه، فاذا قذف القلم حمم غضبه، لم تجد شيئا يهدئه حتى يسقط من عاثوا في الارض فساد، وتأمروا عليه ونهبوا ثرواته، ودنسوا سيادته.
أمواج متلاطمة من الأفكار في ذهني، تهيجها عواصف من القضايا والازمات التي نعيشها منذ عام 2003 ولحد الان. كثيرا من الاصدقاء طرح علي في الاونة الاخيرة ،انك مريض وتعاني من امراض مزمنة» السكري والضغط والمفاصل والان امراض العيون» فلماذا تقحم نفسك بالسياسة، والنشر الذي يؤثر اكثر على اوضاعك الصحية، في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها. هذا السؤال مردّه بطبيعة الحال، مقالاتي التي بدأت أنشرها لأول مرة في جريدة الزمان الغراء،منذ ثماني سنوات ،وجمعتها في كتاب تحت عنوان ( العراق بين التحولات والتحديات) الذي سيرى النور في الايام القليلة القادمة بعون الله ، وأتناول فيها جوانب من السياسة الدولية والإقليمية ،إلى القضايا الداخلية والتحديات التي تواجه الاقتصاد، إضافة إلى القضايا الأخلاقية والاجتماعية وغيرها.
عن ماذا اكتب؟ ياترى هل سيكون عن ماسي الشعب ومعاناته، من الماء والكهرباء وانعدام الخدمات، وتفشي المخدرات والأمراض المسرطنة، التي تدق نواقيس الخطر من خلال التقارير الصحفية والصحية، الدولية والمحلية التي تحذر فيها بالارقام الواقعية على الارض؟ ام عن الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة ،وعن تهريب العملة والنفط والادوية الفاسدة وارتفاع سعر صرف الدولار، ام عن الدكات العشائرية والاعتداءات المتكررة، على الاجهزة الامنية ورجال المرور والاطباء والهيئات التربوية اثناء الواجب. ام عن الطفولة المشردة والتفكك الاسري، وانهيار منظومة القيم الاخلاقية . ام عن الفيضانات والحرائق والجثث المتفحمة في مشفى ابن الخطيب ومشفى الاطفال الخدج ام عن جثث الابرياء في مركز النقاء في الناصرية ام في قاعة زفاف الحمدانية وشهداء العبارة ام عن ضحايا مجمع الوزيرية ام .....؟.
أقول لأولئك الأصدقاء الكرماء ،أنني أدرك تماما أن كلماتي هنا لن تغير العالم بطبيعة الحال، لكنني مثل كثيرين آخرين يشاهدون ويشهدون، الأحداث التي تواجه بلادنا و منطقتنا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الاحتلال البغيض للعراق، والتغيرات التي حصلت في وطننا العربي ودول العالم، شعرت بالحاجة للتعبيرعن إحباطي وألمي، فأردت إعطاء متنفس لهواجسي الداخلية، وقلقي إزاء تداعيات هذه الأحداث..
مرجعيات فكرية
فنحن نعيش في هذه المنطقة، التي تغرق في مختلف صنوف التطرف والتعصب، واقتتال بين الناس، تبعًا لطوائفهم ومعتقداتهم، ومرجعياتهم الفكرية ،وحتى مصالحهم الضيقة، وحتى في تلك الدول العربية التي لم تجتاحها الحروب، ولم تعانِ من مستويات كارثية من المعاناة البشرية، نجد أنها لا تخلو من توترات طائفية وانقسامات اجتماعية، وعدم وجود شعور جمعي، أو اتفاق على المصلحة المشتركة.
اعرف تماما أنه لا يمكنني تقديم حلول كاملة لتلك التحديات، لكني أشعر بقوة أنني أريد أن أكون جزءًا من النقاش حولها، وإثارة نقاش مع الآخرين، الذين يشاركونني التوقعات والمخاوف، ويسرني أن أقول بأنني تلقيت العديد من ردود الفعل الإيجابية.
وأدرك أيضا أنه من خلال كتاباتي في جريدة الزمان الغراء، لا يمكنني الوصول إلى الفئات الأكثر تمسكا بالأيديولوجيات المتعصبة، ولكني على الأقل أعزي نفسي، بأنني ألعب دورًا قيمًا في مساعدة الأغلبية الصامتة المستنيرة، للحديث والكتابة عن ذلك، ويمكننا على الأقل التأكيد على وجهات النظر الخاصة بنا.
اكتب عن كثير من الناس في الغرب الاستعماري، يعتقدون خطأ أن كل المسلمين متطرفون ،هكذا افهمهم الاعلام الغربي الخبيث، خاصة بعد الاعمال الاجرامية، التي تبنتها تنظيمات اجرامية، وهي ترفع شعارات ورايات» لا اله الا الله محمد رسول الله» ومنها القاعدة وداعش وغيرهما، ممارسات قطع الروس وبيع النساء كانت تمارس باسم الدين، استثمرها الاعداء لتشويه ديننا الحنيف. لأننا نتردد في إيضاح هذا الخطأ لهم، كوننا لا نملك المعلومات الكافية، وحتى إذا ملكناها فإننا نترك الحديث لغيرنا لعدم ثقتنا بأنفسنا، أو حبًا في الراحة، ونبقى مستكينين فيما يسيطر، المتشددون على موجات الاثير وهذه غزة تنزف دما اليوم بسبب استهتار الكيان الصهيوني المسخ وبمساعدة امريكا الشر والخراب والدمار ولم نجد من يحرك ساكنا لشجب وردع اعمالها الاجرامية.
انظمة الحكم
و بعد ان اصبحنا نعيش في زمن،لم يعد يعطي اعتبارات كبيرة للعمر والخبرة، وبتنا نرى الصحفيين والمحللين والمعلّقين وأصحاب النفوذ ،هم من الشرائح الأكثر شبابًا، كما أن المتظاهرين الذين أسقطوا أنظمة الحكم، في تونس ومصر، والتظاهرات التشرينية في العراق التي غيرت حكومة عادل عبد المهدي، كانوا من متوسطي العمر، وجزء كبير منهم طلاب جامعات ومعاهد او خريجين ،وكسبة وعاطلين عن العمل ، هذا في وقت يمكننا، نحن الذين نملك عقودًا من الخبرة، في مشاهدة هذه النوبات المؤلمة ،التي تواجه بلدنا و منطقتنا العربية، دون تقديم وجهة نظر مختلفة جدًا.
كم سمعنا وقرانا عن عملية السلام، وايجاد حلول للقضية الفلسطينية ،وانصاف شعبنا الفلسطيني ،واعادة حقوقه المشروعة؟ وكم من رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين، يقولون انهم يريدون السلام ويرعون مؤتمرات السلام، من اجل حل القضية الفلسطينية، لكنهم في الواقع هم سبب تمزيق القضية الفلسطينية، ودعم الكيان الصهيوني، على حساب القضية الفلسطينة، ومحاولات تهويد القدس، كما فعل الرئيس الامريكي المعتوه ترامب؟ وكذلك تصريحات الرئيس الامريكي الخرف بايدن بشان مساعدته « لاسرائيل» ضد المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزة، بعد ان جعل الكيان اللقيط غزة ارض محروقة باستخدام الاسلحة المحرمة دوليا وجعلها هيروشيما ثانية في غزة الصمود والتحدي، بمساعدة امريكا ودول الغرب الاستعماري. وكما انهم سبب تمزيق الوطن العربي ،واحتلال بعض بلدانه بذرائع كاذبة كما حصل للعراق؟ مع تقاعس الانظمة العربية الاهثة وراء التطبيع.
أنا أكتب هذه المقالات وليس لدي اعتقاد، بأنني سأجلب السلام العالمي، ولكن كتابتي تنبع من اعتقادي، أن لدينا جميعا التزامًا تجاه محاولة تحسين العالم ،من حولنا والتأثير على الآخرين بطريقة إيجابية، وأعتقد أيضا أن قراء جريدة الزمان وكتابها، يشكلون جزءًا من الجماعة التي تشاركني، هذا الطموح وتسعي للعمل من أجل عالم أفضل وأكثر سلامًا وتسامحًا، لذلك دعونا نتكلم بصوت عالٍ ونكتب وبشكل جماعي، من أجل منع أصوات التعصب، والكراهية والتطرف، من أخذ زمام المبادرة و تحصين بلدنا وامتنا من شرورها.نكتب للانسانية ولمساعدة المظلوم على الظالم ، ونكتب للعراق الواحد الموحد .
فطوبى لمن كان حائطاً لا ترتع فيه، إلا الأقلام الشريفة الصادقة، والخيبة والخسران لمن كان مرتعاً، لتلك الأقلام الهمل، التي تنفش فيه، فتخرب الحمى، وتعيث فيه الفساد. ولهذا نكتب وسنستمر وسنبقى على العهد مادمنا احياء..