الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بمناسبة المئوية الدستورية ...الرقابة القضائية في ثلاث مراحل

بواسطة azzaman

بمناسبة المئوية الدستورية ...الرقابة القضائية في ثلاث مراحل

احمد طلال عبد الحميد البدري

 

إنّ الدساتير العراقية السابقة لدستور 2005 قد خلت من نص صريح للرقابة على دستورية القوانين ما عدا النصوص الواردة في القانون الاساسي العراقي لسنة 1925 والدستور المؤقت لسنة 1968 كذلك جاء دستور عام 1970 المؤقت ومشروع دستور جمهورية العراق لسنة 1990 خالياً من الإشارة للرقابة على دستورية القوانين، وظل القضاء العراقي متردداً بالاخذ بالرقابة على دستورية القوانين في ظل غياب النص أو الاباحة الدستورية، إذ لم يتجرأ القضاء العراقي على إصدار أحكام بعدم الدستورية أو بالامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور لاسباب مختلفة منها خشية القضاة من سطوة السلطة الحاكمة في حال الامتناع عن تطبيق قانون او قرار لمجلس قيادة الثورة المنحل كونه مخالف للدستور ، اذ ان المجلس المذكور كان يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وكان يصدر بعض القوانين والقرارات المخالفة لنصوص الدستور ، ويمكن ان نسجل على الحقبة التاريخية التي سبقت الاعلان عن اعتماد الرقابة القضائية المركزية اللاحقة على دستورية القوانين في ظل قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية 2004 ودستور جمهورية العراق لسنة 2005 الملاحظات الاتية:

عدم الاستقلال القضاة والمحاكم والتبعية إلى السلطة التنفيذية، إذ كان القضاء مرفقاً إدارياً من مرافق الدولة وخاضعاً لوزارة العدل وهي سلطة تنفيذية.

لم يتمكن القضاء العراقي من الرجوع للمبادئ العامة ومبدأ سمو الدستور لتغليب القواعد الدستورية على القوانين والقواعد المخالفة لها والاخذ بالدفع الفرعي أو الدفع بعدم الدستورية على الرغم من كون هذا الدفع متاحاً إلا أن القضاء لم يتجرأ ليمارس هذا الاختصاص في ظل غياب النص الدستوري وفي ظل تبعية تامة للسلطة التنفيذية التي كانت متسلطة على كافة المؤسسات الدستورية بما فيها القضاء، إذ كان القضاة يخضعون في تعيينهم وعزلهم وترقيتهم وتأديبهم للسلطة التنفيذية بما في ذلك وزير العدل مما جعل القضاء تابعاً لوزارة العدل كمرفق عام يدار من الإدارة.

أما في ظل قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 فقد تحرر القضاء من قيود السلطة التنفيذية عندما عدّ القضاء مستقلاً ولا يدار بأي شكل من الاشكال من السلطة التنفيذية وبضمنها وزارة العدل وإنما يخضع للسلطة القضائية التي لها مطلق الحرية في ممارسة الوظيفة القضائية وفقاً للقانون ومن دون تدخل من السلطتين التنفيذية والتشريعية

نص قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 على تشكيل المحكمة الاتحادية العليا في العراق وينظم عملها وتشكيلها بموجب قانون وأناط المشرع بها اختصاص الرقابة على دستورية القوانين والانظمة إلا أن النص ورد عاماً من دون الإشارة لانواع الرقابة الاخرى كرقابة الإغفال التشريعي أو الرقابة على امتناع المشرع بالقيام بواجبه الدستوري بالتشريع إلا أنه أعطى للمحكمة الاتحادية العليا أن تُلغي القانون أو النظام أو التعليمات أو الإجراءات غير الموافقة للدستور كجزاء لعدم الدستورية ، وهنا ولد القضاء الدستوري المتخصص والمستقل عن السلطة التنفيذية ولاسيما بعد تشكيل مجلس القضاء الاعلى بموجب نفس هذا القانون.

وعلى أثر ذلك أصدرت السلطة التشريعية قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 إذ نص هذا القانون على تشكيل المحكمة الاتحادية العليا كجهة مستقلة إدارياً ومالياً ، وحدد اختصاصاتها وجعل من ضمن هذه الاختصاصات الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والقرارات والانظمة والتعلميات والاوامر الصادرة من أي جهة تملك حق إصدارها وإلغاء التي تتعارض منها مع قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية .

أما في ظل نفاذ دستور العراق لسنة 2005 : فقد نص أيضاً على وجود المحكمة الاتحادية العليا كهيئة قضائية مستقلة مالياً وإدارياً، ونص أيضاً على تشكيلها وهي تشكيلة جديدة تختلف عن تشكيلة المحكمة الواردة في قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 وهذا يقتضي سن قانون جديد لتنظيم عمل المحكمة وتشكيلها واختصاصاتها لعدم توافق قانون المحكمة الاتحادية مع نصوص دستور 2005 ، كما أخذ دستور 2005 بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وأناط هذا الاختصاص بالمحكمة الاتحادية العليا من دون غيرها ، الا ان الملاحظ لم يصدر قانون للمحكمة الاتحادية العليا بما يتوافق ونصوص الدستور وتم الاكتفاء بتعديل قانون المحكمة بموجب القانون رقم رقم (25) لسنة 2021 ولامجال للخوض في تفاصيل القانون بسبب تشعبها .

أن دستور العراق لسنة 2005 وإن كان قد أخذ بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين إلا أنه لم يحدد جزاء عدم الدستورية في النصوص الدستورية الخاصة بالمحكمة الاتحادية العليا كما لم يحدد النطاق الزمني لسريان أحكام المحكمة، كما لم يتضمن الدستور أي التزام على المشرع بوضع النص أو التشريع الملائم محل النص أو التشريع المقضي بعدم دستوريته أو تعديله خلال مدة زمنية وهذا من شأنه أن يفقد أحكام المحكمة هيبتها ولاسيما أن الدستور قد نص على أن أحكامها باتة وملزمة للكافة ،.

إلا أن المحكمة الاتحادية العليا سدت الفراغ التشريعي الخاص بعدم تحديد الدستور النطاق الزمني لسريان أحكامها بموجب قرارها المؤرخ 25/2/2018 عندما اعتبرت الأحكام الصادرة عنها نافذة من تأريخ صدورها ما لم تنص تلك الأحكام على موعد آخر لسريان أحكامها ثم جرى لاحقاً تدارك هذا النقص التشريعي في نظامها الداخلي بنص صريح يحدد النطاق الزمني لسريان احكامها .

لم يرد نص صريح يشير إلى مباشرة المحكمة الاتحادية لرقابة الإغفال التشريعي أو فرض رقابتها عن امتناع المشرع عن إصدار قانون أو نظام أو تعليمات كان من الواجب عليه إصداره، أو فرض رقابتها عن امتناع المشرع الأصلي أو الفرعي عن إصدار قانون أو نظام أو تعليمات كان من الواجب عليه إصداره، أو فرض رقابتها على امتناع المشرع تدابير تشريعية لحماية الحقوق والحريات العامة أو وضع النصوص الدستورية موضع التنفيذ، وهناك الكثير من التشريعات تضمنت تكليف دستوري إلى المشرع إلا أنه لم يبادر إلى تشريعها على الرغم من مرور مدد طويلة على صدور الدستور، وهذا يشكل امتناعاً من جانب المشرع عن سن هذه القوانين يخضع لرقابة المحكمة الدستورية وأول هذه التشريعات هو قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي أغفل المشرع تشريعه رغم أهميته وعلى الرغم من مرور مدة طويلة على صدور دستور 2005 الذي يتضمن تكليف للمشرع بسن هذا القانون ولكونه يتعلق بالمؤسسة الدستورية المسؤولة عن الفصل في دستورية القوانين والانظمة، وهذا الامتناع سبب حرجاً للمحكمة الاتحادية العليا، إذ لا زالت تعمل وفق قانون غير متوافق مع نصوص الدستور.

ومع كل ما تقدم يمكن ان نميز بين ثلاث مراحل مرت للرقابة على دستورية القوانين المرحلة الاولى شهدت وجود نص دستوري للرقابة على دستورية القوانين مع وجود مؤسسات دستورية للرقابة على دستورية القوانين كما هو الحال في ظل القانون الاساسي 1925 ودستور 1968 الان ان هذه المؤسسات لم تكن فاعلة واخفقت في مباشرة الرقابة على دستورية القوانين ، المرحلة الثانية هي مرحلة غياب النص الدستوري الذي ينص على الرقابة القضائية كما هو الحال في ظل الدساتير الانقلابية والمؤقته واخرها دستور 1970 المؤقت الملغى ، ولم يبادر القضاة الى تفعيل رقابة الامتناع التي لاتحتاج لنص دستور لمباشرتها بسبب عدم استقلال القضاة والمؤسسة القضائية وبسبب عدم جرأة القضاة على عدم تنفيذ قانون او قرار تشريعي كونه مخالف للدستور بسبب الخوف من بطش السلطة السابقة ، ولم تحصل رقابة الامتناع الا مرة واحدة وتعرض القاضي للعقوبة في حينها ، اما المرحلة الثالثة هي مرحلة ولادة القضاء الدستوري المتخصص في قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 وتلاه دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، حيث تمارس المحكمة الاتحادية العليا رقابة قضائية لاحقة على دستورية القوانين والانظمة باعتبارها هيئة قضائية مستقلة والغت الكثير من القوانين والنصوص التشريعية لعدم دستوريتها ... ومن الله التوفيق .

 


مشاهدات 53
الكاتب احمد طلال عبد الحميد البدري
أضيف 2025/12/16 - 3:15 PM
آخر تحديث 2025/12/17 - 11:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 321 الشهر 12377 الكلي 12996282
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير