الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
القوى الإستعمارية .. والإستثمار في الحروب

بواسطة azzaman

القوى الإستعمارية .. والإستثمار في الحروب

قتيبة آل غصيبة

 

لم تعد الحرب فشلاً للسياسة؛ بل نجاحاً للأرباح،  فبينما تُقاس الحروب واقعياً بعدد الضحايا؛ تُقاس في مكاتب الشركات بعدد العقود والأسهم الصاعدة، لم تُطلق القنابل فقط لإسقاط أنظمة؛ بل لرفع مؤشرات البورصة؛ ولم تُدمَّر الدول صدفة؛ بل لأن الحرب في عالم القوى الكبرى أصبحت صناعة مربحة؛ تُدار بالعقل البارد وتُسوَّق بشعارات أخلاقية زائفة.

في تاريخنا الحديث والمعاصر لم تعد الحروب؛ مجرد مآسٍ إنسانية أو صراعات سياسية؛ بل تحولت إلى واحدة من أكثر المشاريع الاستثمارية ربحاً للقوى الكبرى؛ وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فالأرقام وحدها تكشف أن الحرب؛ حين تُدار من مركز القوة العالمي؛ قد تكون كارثة للشعوب؛ لأنها صفقة ذهبية للاقتصاد والشركات الكبرى.

الحرب العالمية الثانية.. من الكساد إلى الازدهار

دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية وهي خارجة لتوّها من الكساد العظيم؛ لكنها خرجت منها القوة الاقتصادية الأولى في العالم، إذ بين عامي 1940 و1945؛ تضاعف الناتج القومي الأمريكي تقريباً؛ وانخفضت البطالة من نحو 14 بالمئة إلى أقل من 2 بالمئة، والمصانع الأمريكية عملت بكامل طاقتها؛ وتحولت البلاد إلى «ترسانة العالم» تبيع السلاح والمعدات للحلفاء؛ وتراكم الذهب في خزائنها؛ والديون السيادية على أوروبا المنهكة.

مشروع مارشال: إعمار أوروبا… بأموال تعود إلى أمريكا

بعد الحرب العالمية الثانية، أطلقت واشنطن مشروع مارشال (1948–1951) بقيمة تقارب 13 مليار دولار آنذاك (ما يعادل أكثر من 150 مليار دولار اليوم)، ورغم تقديمه كبرنامج إنساني لإعادة إعمار أوروبا؛ إلا أن الجزء الأكبر من هذه الأموال عاد فعلياً إلى الاقتصاد الأمريكي؛ إذ اشترطت الخطة شراء؛ المعدات والآلات والغذاء والتكنولوجيا من الشركات الأمريكية وكانت النتيجة، ترسيخ الهيمنة الاقتصادية الأمريكية؛ وربط أوروبا بالدولار والأسواق الأمريكية لعقود طويلة.

العراق وأفغانستان: الحروب الأطول… والأكثر ربحاً

بعد عام 2001، شهد العالم نموذجاً أوضح لتحول الحرب إلى مشروع استثماري، تشير تقديرات جامعات ومراكز أبحاث أمريكية إلى أن تكلفة حربي أفغانستان والعراق تجاوزت 2 إلى 2.5 تريليون دولار؛ لكن الجزء الأكبر من هذه الأموال لم يغادر الولايات المتحدة؛ بل انتقل من الخزانة العامة إلى جيوب شركات السلاح والخدمات العسكرية؛ مثل لوكهيد مارتن وبوينغ ورايثيون وهاليبورتن وKBR؛ إذ حصلت هذه الشركات  على مئات المليارات من الدولارات عبر عقود تسليح وبناء قواعد وخدمات لوجستية وحماية أمنية، وفي بعض السنوات تضاعفت أرباح هذه الشركات وارتفعت أسهمها بشكل لافت كلما طال أمد الحرب أو اتسعت رقعتها.

تحذير أيزنهاور: نبوءة تحققت

في خطابه الوداعي عام 1961، أطلق الرئيس الأمريكي الأسبق «دوايت أيزنهاور؛

ت: 1969 تحذيراً تاريخيًا؛ قال فيه إن (المجمع الصناعي العسكري؛ بات يمتلك نفوذًا خطيراً على القرار السياسي؛ محذراً من أن تتحول الدولة إلى رهينة لمصالح الشركات الحربية)، فبعد عقود، اصبحت كلمات أيزنهاور أقرب إلى النبوة؛ حيث أصبحت الحروب الطويلة مصدر دخل دائم لشركات السلاح؛ لا استثناءً طارئاً.

عموماً، فإنه من الحرب العالمية الثانية إلى احتلال  العراق أفغانستان؛ أثبتت الأرقام أن الولايات المتحدة لم تخض حروبها الكبرى فقط لتحقيق أهداف أمنية أو سياسية؛ بل بنت من خلالها نظاماً اقتصاديًا قائماً على الحرب ذاتها، فبينما تُدمر الدول؛ وتنهك الشعوب؛ تستمر ماكينة الأرباح بالدوران؛ مؤكدة أن الحرب في عالم اليوم لم تعد فشلاً للسياسة… بل أحد أنجح استثماراتها...

 


مشاهدات 38
الكاتب قتيبة آل غصيبة
أضيف 2025/12/16 - 5:40 PM
آخر تحديث 2025/12/17 - 1:12 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 30 الشهر 12086 الكلي 12995991
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير