الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
للبحر وجهٌ

بواسطة azzaman

للبحر وجهٌ

لهيب عبدالخالق

 

لهيب عبدالخالق*

ولمّا اقتربتُ من الذاكرةْ،

تذكّرتُ كلَّ الذينَ أحبّوا،

ولم يرجعوا من مرايا الرحيلْ.

تذكّرتُ صوتَ الذي قال لي ذاتَ حزنٍ:

“دعيني هنا، فالوطنْ…

حين يُحبّكِ، لا ترجعينْ…”.

تعبتُ من الاسم،

كانت يدايَ حقيبةُ منفى

أفتّشُ فيها عن الرملِ

أو عن زهورِ المساءِ

ورائحةِ الحقلِ،

أو عن شراعٍ صغيرٍ

تشقُّ بهِ الروحُ نارَ الحنينْ.

أنا بنتُ نهرٍ تشرّبَ موتَ المغنّينَ،

لم يبقَ منّي سوى رعشةِ الصوتِ

في صمتِ نافذةٍ خائفةْ.

ولا شيء يمسكُ بي في الدخانِ

سوى صمتِ عينيَّ،

حين ترقرقُ مثل السماءِ،

أنا من هناكَ

ومن غيمةٍ جبلتها السنابلُ،

من نَوحِ تلك الأزقّةِ،

من ملحِ ذاكرةٍ

لا تطيقُ الكلامَ،

وكنتُ أُخبّئُ ظلي كأنّي سؤالٌ

على مِرفقِ الأرضِ

أكتبُ ما لا يُقالْ.

لي الآنَ جرفٌ بعيدٌ

ولا يشبهُ القلبَ،

قميصُ غيابٍ تلاشى نداهُ،

وقيثارةٌ تتذكّر أصواتَ مَنْ رحلوا،

ثمّ تخبو،

ولي موقدٌ في الدفاترِ،

لي من دمي قطرةٌ سوف تزهرُ

في ورقٍ ذابلٍ في الجدارْ.

ولي طائرٌ

كان يمشي معي مثل ظلّي،

كصوتٍ تهدل من وجه تلك النساء،

ومن نخلةٍ في الشتاءِ،

تعلّمَ موتَ البنفسجِ

ثم أفاق على وعدِ عطرٍ

يعودُ إذا غادرته السنينْ.

تذكّرتُ عطرًا على شالِ أمّي،

وكان يُطاردُني كغزالِ جريحِ

على طرفِ الثلجِ،

لمّـا بكيتُ

كنهرٍ تهدهده الأرضُ

حين تشقّ السنابلُ أوجاعها،

ثم تُسرجُ تلك الحقولَ،

وكنتُ أرتّلُ:

للبحرِ وجهٌ،

 وفي الريحِ ذاكرةٌ للمرايا،

وفي الجفنِ نايٌ

يشدّ خطايَ إلى بلدٍ لم يعُدْ

غيرَ خيطٍ من الرملِ،

يمشي على هدأةِ الغيمِ،

لا يتذكّرُني.

وأطلّ على غربتي

مثل طفلٍ يخبئ في ثوبه

كسرة من رغيفٍ

وأسماءَ من مات في السرّ

أو ضاع في غيمةٍ،

من خرابِ النبوءةِ.

كنتُ أرتّقُ في الملح وجهي،

وفي الطين إسمي،

وفي الجوع صوتي،

وفي الريح جرحي،

وفي خيمةٍ

لم تُسمَّ سوى مرةٍ

“وطنًا”……..

 

شاعرة من العراق مقيمة في كندا


مشاهدات 12
الكاتب لهيب عبدالخالق
أضيف 2025/12/02 - 3:02 PM
آخر تحديث 2025/12/03 - 12:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 13 الشهر 1552 الكلي 12785457
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير