الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين يُطوى الملف.. هل يسد التقاعد حاجة الموظف أم يفتح باب الحاجة؟

بواسطة azzaman

حين يُطوى الملف.. هل يسد التقاعد حاجة الموظف أم يفتح باب الحاجة؟

 حسين شكران الأكوش العقيلي 

 

حين يُطوى ملف الخدمة، لا يُطوى معه وجع السنوات، ولا تُغلق دفاتر الكدّ والعرق، بل تبدأ مرحلة جديدة من الأسئلة الصامتة التي لا تُطرح في الاجتماعات الرسمية، ولا تُكتب في تقارير الأداء. الموظف الذي قضى عمره بين أوراق الدولة، ووقع آلاف المعاملات، ووقف على أبواب الدوائر يخدم الناس، يجد نفسه فجأة أمام باب التقاعد، يحمل فيه رقمًا ماليًا لا يُشبه حجم عطائه، ولا يُوازي كرامته التي بناها طوبة طوبة في وجدان المجتمع.

التقاعد في جوهره ليس مجرد انتقال من حالة وظيفية إلى أخرى، بل هو اختبار أخلاقي للدولة والمجتمع

 هل نُكرم من خدمنا؟

 هل نمنحه ما يسد حاجته ويصون كرامته؟

أم نتركه يواجه الشيخوخة بجيبٍ مثقوب، وذاكرة مثقلة بالخذلان؟

 إن الراتب التقاعدي، في كثير من الحالات، لا يُمثل جائزة نهاية الخدمة، بل يُشبه (مكافأة الصبر) على نظامٍ لم يُحسن التقدير، ولم يُتقن الوفاء.

في مجتمعاتنا، حيث يُقاس الإنسان بما يعطي، لا بما يملك، يصبح التقاعد لحظة فاصلة بين من عاش محترمًا وبين من يُجبر على التنازل عن بعض احتياجاته ليبقى واقفًا. الموظف المتقاعد لا يطلب ترفًا، بل يسأل عن حقه في حياة كريمة، عن دواء لا يُرهقه، وعن فاتورة كهرباء  وغيرها لا تُهدده، وعن لقمة لا تُشعره بالذل والإهانة . فهل يُعقل أن يتحول الراتب التقاعدي إلى عبءٍ نفسي بدل أن يكون سندًا اجتماعيًا؟

إننا بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم التقاعد، ليس كإجراء إداري، بل كمنظومة قيمية تُعبر عن مدى احترامنا للإنسان بعد أن يُنهي مهمته. فالموظف لا يتقاعد عن الحياة، بل يتقاعد عن الوظيفة، ويبقى مواطنًا له حقوق، وله كرامة، وله قصة يجب أن تُروى لا أن تُنسى. ومن هنا، فإن سد الحاجة ليس مجرد رقم في كشف الرواتب، بل هو موقف أخلاقي وسياسي يعكس مدى نضج الدولة في التعامل مع مواطنيها.

التقاعد يجب أن يكون بداية جديدة، لا نهاية حزينة. يجب أن يشعر فيه الموظف أنه انتقل من موقع الخدمة إلى موقع التكريم، من باب الواجب إلى باب الوفاء. وإن لم نستطع أن نمنحه ما يكفيه، فلنمنحه على الأقل ما يُشعره أنه ما زال مهمًا، وما زال حاضرًا في وجدان الدولة التي خدمها.

في النهاية، لا يُقاس الراتب التقاعدي بحجمه فقط، بل يُقاس بقدرته على سد الحاجة دون أن يُهين الكرامة. فهل نملك الشجاعة لنُعيد النظر؟

 وهل نملك النُبل لنُكرم من خدمنا؟

أم أن ملفات الخدمة تُطوى، ومعها تُطوى القلوب؟

 

كاتب ومؤلف – ماجستير فقه مقارن وقانون عام إسلامي


مشاهدات 258
الكاتب  حسين شكران الأكوش العقيلي 
أضيف 2025/11/05 - 3:57 PM
آخر تحديث 2025/11/06 - 12:31 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 362 الشهر 4136 الكلي 12365639
الوقت الآن
الخميس 2025/11/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير