الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رسائل الكراهية في المشهد السياسي

بواسطة azzaman

رسائل الكراهية في المشهد السياسي

سامان شالي

 

لقد تأثر المشهد السياسي في العراق بشكل كبير بعقود من الدكتاتورية والحرب والتدخل الأجنبي والعنف الطائفي. ورغم أن البلاد قد اتخذت خطوات نحو الديمقراطية منذ عام 2003، إلا أن رسائل الكراهية لا تزال سمة بارزة في خطابها السياسي. وكثيرًا ما تُفاقم هذه الرسائل، سواء عبر الخطب أو وسائل الإعلام أو المنصات السياسية، الانقسامات الاجتماعية، وتُبرر العنف، وتُعيق المصالحة الوطنية. إن فهم أصول خطاب الكراهية هذا وأشكاله وعواقبه أمرٌ أساسي لبناء عراق أكثر استقرارًا وشمولًا.

الجذور التاريخية لخطاب الكراهية السياسي

يتميز تاريخ العراق الحديث بصراعات متجذرة في الهوية. ففي عهد صدام حسين، استُخدمت الرسائل السياسية البغيضة لترسيخ السلطة عبر تهميش أو شيطنة الجماعات العرقية والدينية، وخاصة الأكراد والشيعة. فعلى سبيل المثال، سبقت حملة الأنفال عام 1988 ضد الأكراد، وبُررت، بدعاية وصفتهم بالخونة أو المتعاونين مع إيران.

بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، أدى انهيار الحكومة المركزية إلى خلق فراغ سريع ملأته الميليشيات الطائفية، التي استخدم الكثير منها خطاب الكراهية لتبرير العنف ضد الجماعات المنافسة. وبدأ السياسيون يلجؤون إلى الولاء الطائفي أكثر من الوحدة الوطنية، مما عزز دائرة الكراهية والخوف والانتقام. ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية، تتزايد رسائل الكراهية سياسيًا واقتصاديًا تجاه بعضهم البعض، وخاصةً ضد إقليم كردستان. لكي يحصل السياسيون العراقيون على المزيد من الأصوات، كما رأينا في الانتخابات السابقة، يجب على الحكومة الاتحادية مراقبة هذه الرسائل الكراهية ومنعها لحماية الديمقراطية وحدة العراق والدستور.

الطائفية في الخطاب السياسي

يُعدّ الاستخدام المتكرر للغة الطائفية من أكثر الجوانب ضررًا في المشهد السياسي العراقي. فكثيرًا ما تُعرّف الأحزاب السياسية السنية والشيعية والكردية نفسها بهويتها الدينية أو العرقية بدلًا من أيديولوجيتها السياسية أو مصالحها الوطنية. وخلال الانتخابات، ليس من النادر سماع قادة سياسيين يصوّرون الطوائف المتنافسة على أنها تهديدات وجودية. هذا النوع من الخطاب يُؤجج الانقسام وانعدام الثقة، مما يجعل التوصل إلى تسوية أو تعاون أمرًا بالغ الصعوبة. على سبيل المثال، خلال فترات الأزمات السياسية، استخدم بعض القادة لغةً تحريضية، متهمين الطوائف المعارضة بالإرهاب أو الخيانة. وغالبًا ما تلقى هذه الاتهامات صدى لدى سكان يعانون من صدمة سنوات من الحرب، مما يجــــــــــــــعل المصالحة أكثر صعوبة.

الإعلام كمنبر للكراهية

يغلب الطابع الحزبي على معظم وسائل الإعلام العراقية، وغالبًا ما تملكها أو تمولها أحزاب سياسية أو جماعات طائفية. وتُستخدم القنوات التلفزيونية والصحف وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي بشكل متكرر لترويج خطابات مثيرة للانقسام، ما يؤدي عادةً إلى طمس الخط الفاصل بين النقد السياسي وخطاب الكراهية. وتتيح هذه البيئة الإعلامية انتشار الرسائل المليئة بالكراهية بسرعة، لا سيما في أوقات الاضطرابات السياسية أو العنف.

بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة - التي غالبًا ما تستهدف الأقليات الدينية أو العرقية - لتشويه سمعة المنافسين وحشد الدعم. ولا تقتصر هذه الخطابات على استقطاب الجمهور فحسب، بل تُعرّض الأرواح للخطر أيضًا من خلال التحريض على العنف في الواقع.

تهميش الأقليات

يتخذ الكراهية السياسية في العراق شكل التهميش أيضًا. فكثيرًا ما تُستبعد الأقليات، مثل الإيزيديين والآشوريين والتركمان والمندائيين، من العمليات السياسية الرئيسية. وفي بعض الحالات، يتحدث السياسيون باستخفاف عن حقوقهم أو وجودهم، مما يعزز الشعور بأنهم ليسوا عراقيين بالكامل. ففي أعقاب حملة الإبادة الجماعية التي شنها تنظيم داعش ضد الإيزيديين عام 22014، على سبيل المثال، عكس بطء الاستجابة السياسية وغياب العدالة مدى ترسيخ الكراهية والإهمال في النظام.

عواقب سياسات الكراهية

إن تأثير رسائل الكراهية في السياسة العراقية مُدمّرٌ للغاية، لا سيما خلال الانتخابات. فهي تُقوّض الثقة بالحكومة، وتُضعف الهوية الوطنية، وتُؤجج دورات العنف. كما أنها تمنع تشكيل تحالفات سياسية عابرة للطوائف، وهي ضرورية لمعالجة الفساد والأزمة الاقتصادية وإعادة بناء المؤسسات.

وربما الأكثر مأساوية هو أنها تُرسّخ الكراهية. فعندما يُصبح خطاب الكراهية جزءًا من الحياة السياسية اليومية، يفقد الجمهور حساسيته، ويُصبح التعصب أمرًا طبيعيًا. وهذا يُعيق التقدم نحو مجتمع ديمقراطي شامل وسلمي.

تأثير الاقتصاد على رسائل الكراهية

تلعب الظروف الاقتصادية دورًا حاسمًا في تشكيل الخطاب السياسي والاجتماعي، وفي الدول الهشة كالعراق، غالبًا ما تُسهم في انتشار رسائل الكراهية. عندما يعاني الناس من الفقر والبطالة وعدم المساواة، يتزايد الإحباط، وقد تستغل الجهات السياسية أو الجماعات المتطرفة هذا الإحباط بتحويله إلى كراهية تجاه جماعات عرقية أو دينية أو سياسية محددة. وبهذه الطريقة، لا تُصبح الضائقة الاقتصادية مجرد قضية خلفية، بل مصدرًا لتأجيج الانقسام والكراهية.

التطرف والتجنيد

يُزيد اليأس الاقتصادي من عُرضة الأفراد للتجنيد من قِبل الجماعات المتطرفة التي تعتمد بشكل كبير على رسائل الكراهية. ازدهرت جماعات مثل داعش في المناطق السنية المهملة اقتصاديًا من خلال تقديم حوافز مالية وترويج خطاب الانتقام الطائفي. عندما تفشل الحكومات في توفير الأمن الاقتصادي، قد تظهر الأيديولوجيات المتطرفة كبدائل جذابة، خاصةً عندما تُقرن بدعاية تَعِد بالكرامة والهوية والانتقام.

الفساد وانعدام الثقة

يُفاقم الفساد المستشري في النظام الاقتصادي العراقي من تآكل ثقة الجمهور بالمؤسسات الحكومية. فعندما يرى الناس النخب تُثري نفسها بينما يُعاني الشعب، يُغذي ذلك السخرية والاستياء. ويُصرف السياسيون الانتباه أحيانًا عن إخفاقاتهم بتحويل المظالم الاقتصادية إلى اتهامات طائفية، مدّعين أن «الطرف الآخر» يُكتنِز الموارد أو يُسيطر على الثروات. ويُعدّ هذا الاستغلال المُتعمد للضائقة الاقتصادية شكلاً خفيًا ولكنه خطير من خطاب الكراهية الذي يُفرّق الشعب بدلًا من أن يُوحّده.

دور المهنيين في منع رسائل الكراهية

إن نفوذهم وخبرتهم يجعلهم عاملاً أساسياً في معالجة هذه المشكلة الاجتماعية بطريقتين:

أولاً، يمكن للمهنيين رفع مستوى الوعي بالآثار الضارة لرسائل الكراهية. ويمكن للمعلمين والمربين دمج دروس التسامح والتعاطف والمواطنة الرقمية في تعليمهم، مما يساعد الشباب على فهم خطورة خطاب الكراهية. من ناحية أخرى، يمكن للمهنيين الإعلاميين استخدام منصاتهم لمواجهة الصور النمطية السلبية وتعزيز السرديات الإيجابية حول التنوع والشمول. ويمكن للمحامين والمهنيين القانونيين تثقيف الجمهور حول القوانين التي تحظر خطاب الكراهية وتوجيه الضحايا نحو العدالة.

ثانياً، يتحمل المهنيون مسؤولية إنفاذ السياسات التي تثبط خطاب الكراهية. في أماكن العمل، يمكن للمديرين ومسؤولي الموارد البشرية وضع مدونات سلوك تحظر اللغة التمييزية وتوفر قنوات للإبلاغ عن مثل هذا السلوك. وبالمثل، يمكن لمتخصصي تكنولوجيا المعلومات العمل مع منصات التواصل الاجتماعي لتطوير خوارزميات وأنظمة للكشف عن محتوى الكراهية على الإنترنت وإزالته.

الطريق إلى الأمام

لمواجهة الكراهية في الخطاب السياسي العراقي، لا بد من تغييرات مؤسسية وثقافية. يجب تعزيز القوانين المنظمة لخطاب الكراهية وتطبيقها بشكل عادل وفعال. ينبغي أن تشجع أنظمة التعليم التفكير النقدي والتسامح. التعليم في سن مبكرة أمر بالغ الأهمية لبناء جيل جديد قادر على مكافحة رسائل الكراهية. يجب محاسبة وسائل الإعلام على التحريض وتشجيعها على تقديم تغطية متوازنة وقائمة على الحقائق.

والأهم من ذلك، يجب على القادة السياسيين في العراق تجاوز سياسات الهوية والتركيز على القضايا التي توحد لا تفرق، مثل التنمية الاقتصادية، والخدمات العامة، والسيادة الوطنية.

الخلاصة

إن رسائل الكراهية في المشهد السياسي العراقي ليست مجرد نتاج ثانوي للصراع، بل هي أدوات يستخدمها البعض للوصول إلى السلطة والحفاظ عليها. وإلى أن تُفقد هذه الأدوات مصداقيتها وتُستبدل بسياسات الشمول والمساءلة، سيظل العراق يعاني من الانقسام وعدم الاستقرار. إن مستقبلًا من الوحدة والسلام لا يتطلب سياسات جديدة فحسب، بل يتطلب أيضًا ثقافة سياسية جديدة - ثقافة ترفض الكراهية بجميع أشكالها.

في العراق، الاقتصاد ليس منفصلاً عن الكراهية، بل هو غالبًا ما يكون أرضًا خصبة لها. فعندما تندر الفرص الاقتصادية، تصبح الكراهية أداة سياسية تُستخدم للتشتيت والتفرقة والسيطرة. لذا، فإن معالجة رسائل الكراهية في المجتمع العراقي تتطلب أكثر من مجرد إصلاح سياسي، بل تتطلب عدالة اقتصادية، وخلق فرص عمل، وتنمية عادلة. وبدون معالجة الأسباب الاقتصادية الجذرية للإحباط، ستظل جهود الحد من الكراهية ناقصة.

 محلل سياسي واقتصادي


مشاهدات 75
الكاتب سامان شالي
أضيف 2025/08/02 - 1:01 AM
آخر تحديث 2025/08/02 - 10:42 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 35 الشهر 1485 الكلي 11276571
الوقت الآن
الأحد 2025/8/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير