الموبايل في زمن التفاهة
حامد الزيادي
يوما بعد يوم ندرك قيمة الأشياء الجميلة في حياتنا التي غادرتنا وجعلت منها جافة وجامدة من غير روح أو متعة يسودها التوتر والضجر فأصبح الوقت يمر من دون أن نشعر وتخترق سواترنا نيران الشر والخطر بلا درع أو منظومة ردع ونحن نرى مقدار التصدع في جدارنا الداخلي بعد تسلل العنصر الدخيل (الموبايل) على حياتنا عنوة، وهو محمل بالسموم والهموم فحملنا معهُ ولم نحملهُ معنا حتى ساهم في تغير نمط حياتنا بشكل مختلف، ونحن نتصفح ونُراقب هذا الكم الهائل من النشر دون فرز أو دراية فيجرنا تارةً نحوهُ وتارةً أخرى يقذفُنا بعيداً حتى أصبحنا في تيه وعُزلة، في الوقت الذي قرّب لنا المسافات باعد عنا الكثير من الأشياء حتى أصبحنا لا نراها أو نشعرُ بها فصار حادث أكثر بدل الحداثة ففرق الشمل ورسخ العزلة حتى تحولَ هذا الجهاز من وسيلة للحاجة الى سلاح قاتل للوقت والراحة والمصلحة وبات في متناول الصغار قبل الكبار وأصبحنا نُلهي به الأطفال كي يناموا أو يسكتوا فيما تاخذ الأسرة راحتها في التصفح دون أن تدرك مخاطر فعلتها التي ساهمت في تنامي حالات التوحد التي أصبحت شائعة جدا فأصبحنا مكبلين دون قيود وتم ربطنا دون أن نرتبط به ،ليصبح ملازم لنا في الأكل والنوم والعمل والسفر وحتى في جلساتنا الخاصة والعامة وأصبح الرفيق الدائم حيث المساحة المفتوحة والازرار المتاحة التي تسمح بالتنقل والتجول دون رقيب او حسيب تجعلنا في خطر حقيقي يهدد كيان الأسرة والعلاقات الاجتماعية و يزعزع الثقة ونحن نتصفح المحتويات الهابطة والمواضيع الخطرة دون ضابطة سلوك او حصانة أمام فضاء مفتوح لكل الأعمار وهي تستقبل سيل جارف من الثقافات المتنوعة والمسمومة والموجهة التي تقود العقل الجمعي نحو المجهول وتتحكم بكل مفاصل تصرفاته وتعيد تعبئته بما تشاء وتريد فرض سلوكيات سلبية ودخيلة أسست للشحن الطائفي والأنحراف السلوكي والأخلاقي ولم تصمد كل المحاولات المتاحة للتصدي له أو ردعه حتى أصبح شر لا بد منه عندما أرتبطت معه وسائل الحياة الجديدة ومصالح الناس وأصبح الجهل من يتجاهله أو يمتنع عن استخدامه وبدل أن نواجه الخطر به أصبح الخطر منه واليه ،
وأمام هذا الهم من المخاطر نحتاج إلى علاج لهذا المرض العال الذي تغلغل فينا وراح يمزق أحشاء المجتمع ومنظومة القيم التي صمدت أمام أعتى التحديات لكنها اليوم تترنح أمام الغزو الإلكتروني الناعم ، ويتطلب منا التحرك العاجل لرص الصفوف ورفع حالة التاهب القصوى قبل فوات الاوان لعلنا نهتدي لجرعات نفسية ومادية تعيد تنشيط الجسم وتقوي دفاعاته بالشكل الذي يسمح أن يصمد في مواجهة تحدي آثار الموبايل وتطويعه لإعادة تصويبه نحو من خطط ودبر المكر لنا ويسعى لقتلنا عن بعد كون الخطر كبير والأثر واضح ومؤلم ، وكما قلت لا يمكن علاج مرض العضال هذا بجرعة واحدة أو جرعات لكن يعتمد ذلك على قوة الجرعة ومفعولها
التي يعدها أهل الحل والعقد في كيفية التعامل مع المرحلة من قبيل تحديد الاثار السلبية والعمل على معالجتها وإعادة بناء المنظومة الأخلاقية والتربوية التي تحفظ كيان الأسرة ومن ثم كيان المجتمع ككل.