الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التقنيات الفنية والاسلوبية ودورًها  في إنزياح المعنى


التقنيات الفنية والاسلوبية ودورًها  في إنزياح المعنى

في (أنتظرك.. شجراً يمشي  للشاعر طلال الغوّار...انموذجاً)

علوان السلمان

 

ـ ( الكتابة مهمةٌ جسيمة غرضها تحريض الإنسان على بذل قصارى جهوده لتجاوز الوحش الكامن في أعماقه)   كازانتزاكيس*

...والنص الشعري الذي هو خروج عن المألوف الواقعي والتداخل مع المتخيل لتعميق المعنى في الذاكرة.. عبر بنية إشارية قوامها اللغة التي هي (نظام من الإشارات التي تعبر عن افكار..) على حد تعبير سوسير..

....وباستحضار النص الشعري الصوري ( أنتظرك.. شجرا يمشي).. الذي نسجت عوالمه أنامل منتجه الشاعر طلال الغوّار.. واسهمت " دار جبرا للنشر والتوزيع " في نشره وانتشاره/2025..كونه يعتمد أفكاراً  لحظوية مستفزة لذات المنتج الذي يسجلها بتشكيل مركب (موضوعي ـ تخييلي) يميزها الإيجاز والتركيز والحذف والاضمار وكثافة التوتر والترميز والإنزياح والمفارقة الاسلوبية الإدهاشية...فضلاً عن تجسيده الأحاسيس والنزعات النفسية ضمن ما يراه من جهة  وبالأسلوب المحقق لذاته من جهة اخرى.. ابتداء من الايقونة العنوانية والعلامة السيميائية الدالة بفونيماتها المحققة لدلالتين لغويتين:  أولهما الدلالة اللغوية للصوت والدلالة اللغوية للصورة .. اضافة الى تشكيله نصا موازيا يعد مدخلاً ومفتاحاً اجرائياً في التعامل مع النص في بعديه الدلالي والرمزي.. لذا يعدُّ النص من الدوال الخطابية المركزة التي تمنح المنجز قيمة مغايرة لغيره بتجاوزه القوالب الجاهزة المتوارثة....فضلا عن أنسنته الموجودات بتوجهه  إلى الآخر المغاير للوجود الإنساني وعقلنته.. متمثلاً بالطبيعة (انتظرك...شجراً يمشي) كونها أكثر إيحاء للحس الشعوري الذي يتغنى المنتج بجمالها....

قالت: ما حدود القلبِ فيكْ

قلتُ: سفحٌ من حنينٍ

وآثار سهامٍ

أطلقت من  مقلتيكْ

ثم قالت :

فحدود القلبِ عندي

شجرٌ يذرف شوقاً

ويدٌ تومئ إليكْ

فالنص يعتمد زمنين متداخلين هما: زمن تجسيد الرؤية، وزمن انفتاحها المتخيل، بصيغة درامية فاعلة ومتفاعلة باعتماد السرد الشعري المهيمن الاسلوبي الذي يحيل الى حوارية منولوجية مركبة تنحصر في (الانا)المحاورة لذاتها.. ليقدم مشهدا صوريا يستفز المستهلك ويستدعيه لاستنطاق عوالمه والكشف عما خلف الفاظه..عبر توظيف ضمير المتكلم والضمير الغائب.. مما ادى الى تعذر الفصل بين الشكل، بوصفه كيفية إبداع المعنى الشعري وبين المضمون كونه باعثاً على القول..

حينما /أنت معي

تقرأ الشمسُ محيانا /جباها

ويغنّي أفقُ

أينما الأحلام سارت ْ

ولدتْ / بين خطانا الطرقُ

فالنص يشع بالفكرة المختزلة لكثير من المعاني والدلالات النفسية من خلال اللجوء الى المقطعية النصية التي تستوجب  الاختزال الجملي الذي هو سمة من سماتها المنبعثة من انفعال آني للفكرة التي يقوم عليها البناء الشعري الصوري القائم على الغنائية الذاتية الكاشفة عما يدور في الخلجات الفكرية ..فضلا عن توظيف المنتج تقنيات فنية كالاسترجاع الذي هو نوع من ردة الفعل الوجودي الذي يستدعي المنتج للإبحار في خضم الذاكرة باستخدام السرد الشعري...

كلمّا ذكرتُ طفولتي

يخيّلُ لي

أنّ طفلاً ينتظرني

خلف شجرة

واسلوب التكرار الدال على التوكيد  الذي يخدم أغراضًا جمالية وإيقاعية ودلالية، فهو يضفي على النص موسيقى وإيقاعًا، ويعمق المعاني ويؤكدها، ويساعد في بناء  النص وتماسكه.. اضافة إلى التنقيط (النص الصامت) الذي يكشف عن الإحساس بكثافة الصمت والشعور بالامتلاء الشعري الذي يعلن عنه النفري الصوفي بقوله (كلما تتسع الرؤية تضيق العبارة) .. فضلاً على أنه يلعب دورًا كبيرًا في انزياح المعنى لإعادة انتاجه واستحضاره من قِبل المستهلك ( المتلقي) الذي ينشغل في ملء  فراغاته ليكشف عن المعنى المغمور (والمسكوت عنه) في البنى العميقة للنص ...

حين

أكثرتُ بحبّكِ  تأويلا

وحدكِ كنتِ له المعنى

كنتِ....

لغموض الكلمات دليلا

فضلا عن ان المنتج الشاعر طلال الغوّار يوظف تقنية البياض  للإحساس بكثافة الصمت من ناحية ومن ناحية اخرى تشكيله كلاما لا يستطيع الشاعر بثه لانه يشي بحالة من الامتلاء الشعري..

قالت : سأسّميها شجرةَ الحبِّ

تلك التي حفرنا

على جذعها اسمينا

ليتني أسقيها الآن بدموعي

فالنص يتجلى في بنائه ايقاع اللغة من خلال رصد التحركات الباطنية للنص الشعري لتشتغل ظاهرة التنقيط والبياض في معظم قصائد المنتج (الشاعر) بأسلوبها الفني وبعدها الدلالي، الذي تبثّه بين الجمل والكلمات، فيما تعجز الكلمات ذاتها عن القيام به وبهذا تلعب ظاهرة الحذف دورًا كبيرًا في انزياح المعنى لإعادة انتاجه واستحضاره من قِبل المستهلك (المتلقيفيولد المعنى المغمور في البنى العميقة للنص....لان وظيفة اخفاء المعنى هي واحدة من اهم بؤر النص الحديث..

هو الحبُّ بيتٌ لنا

وبابٌ لأحلامنا

لوجهتنا يرسمُ الفجرُ /درباً

تحفّ بنا/فراشات أسرارنا

فما ضرّها  الشمسُ

لو أنّها /مشتْ خلفنا

فالمنتج يعتمد الجملة الموجزة التي تأخذ شرعيتها من تخلقها في فضاءات الخطاب الشعري المتمثلة في (الفضاء الدلالي) الذي يتحرك فيه المدلول النصي و(الفضاء المكاني) الذي تتحرك فيه عوالم النص بما يحتوي من تشكيل وخطوط والفاظ وعبارات جملية وعلامات ترقيم.. مع (فضاء زماني) يحتضن الحدث.. و(فضاء جغرافي) خيطي يمتد بين اشارات الزمكانية ..و(فضاء اجتماعي) موضوعي)ونفسي(ذاتي)..

في الفجرِ/طيورٌ تأتي

ترسم صورتها فوق الرملِ.....

وترحلْ

ونسيم ق يترك رقصته

موجات عند ضفاف النبع

وترحل

وأنا احفر اسمك في الأشجارِ

ثمَّ أضرب في التيه عصايَ .....

وارحلْ

وبذلك قدم المنتج نصوصا تعمل بقدرة ايحائية تحرك أكثر مناطق الروح عمقاً من خلال شعريته التي هي وسيلة للكشف والتجاوز.. فضلاً إلى أنه يصبُّ افكاره في شعرية خصبة معتمدة عناصر الطبيعة ومظاهرها وتفسير حركتها وعلاقاتها ..باعتماده على خيال وحس مرهف وعاطفة متوهجة.. وكل هذا يعني أن المنتج(الشاعر) استطاع من خلال ذاتيته إيجاز التفاعل الديناميكي بين الذات والموضوع.. كونه يمتلك طاقة وقدرة تقنية..

 

 


مشاهدات 51
الكاتب علوان السلمان
أضيف 2025/11/03 - 3:31 PM
آخر تحديث 2025/11/04 - 5:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 180 الشهر 2509 الكلي 12364012
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/11/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير