المنقذ برؤى التشكيلي علاء بشير.. قراءة أسلوبية إبداعية للمعنى الكامن في ميزان شخصية كونية
سلام جبار
شهد الفن التشكيلي عبر تاريخ وجغرافيا إنتاجه عددا كبيرا من محاولات استلهام شخصية وروح ورسالة السيد المسيح، تلك الشخصية التسامحية الرسالية التي تميزت بمواصفات الربط بين المادي والروحي عبر سلسلة من المعاجز الحسية الهادفة لترسيخ الجانب الروحاني في الحياة الدنيا، فشخصية السيد المسيح شكلت ايقونة متفق عليه بين أوسع الديانات انتشارا في البشرية عبر الزمان والمكان، وما مثلته حالته الوجودية من عاطفية تراجيدية مميزة من المولد حتى قيامته ورفعة وصولا الى ما اتفق عليه وجدانيا من عودته في طور انقاذ البشرية وان تنوعت قراءة هذه الكيفية . وقد شكل هذا التمثيل الفني الى جوار الادبي جدلا حواريا بناء» ونسغ صاعد ونازل في حوارية الوجود والمعرفة، قادت الى نشوء ظاهرة فنية تخصصية اعتنت سواء بالصورة الشخصية للسيد المسيح أو التاريخ السردي المرتبط بسيرته في ظاهرة فنية تشكيلية عرفت بالفن الكنسي أو الفن المسيحي، التي امتدت على مساحة جغرافية وتاريخية وأسلوبية ونقدية واسعة وشغلت حيزا كبيرا من التاريخ الفني العالمي وحجزت مكانها المعنوي في الثقافة العامة والمادي في جدران المتاحف والكنائس والمجموعات الخاصة والعامة، وبصور ومراحل وأساليب منوعة وصلت حد الاستثناء من التقاليد، كما حصل مع الفن الحديث في ما بعد الانطباعية التي آلت على نفسها أن لا ترتبط بعقائد معينة لكنها رغم ذلك أنتجت اعمالا فنية كالمسيح الأصفر لغوغان والمسيح الأبيض لشاغال والمسيح الزنجي لغوغان والمسيح مسجى على الصخر لمانيه في عدد كبيرا من تمثيلات السيد المسيح في الفن لما مثلته هذه المثابة الروحية من قيمة فاصلة في تاريخ الوجود والمعرفة ، اليوم يقدم الفنان علاء بشير في معرضه الشخصي المنقذ قرائته الاسلوبية الابداعية للمعنى الكامن في ميزان تلك الشخصية الكونية السيسيوالثقافي والحاجة الماسة لـ– احبوا اعدائكم– في عصر الغاب الذي تعيشه البشرية وتمس الحاجة فيه الى من ينتشلها من هذا الانحدار.
وعلاء بشير كفنان عرف بانشغاله بالفكرة والمفهوم والأسلوب الغرائبي الفنتازي على حساب كثير من المعطيات التي يجري الاهتمام بها في الفن يقدم لوحاته بطريقة إنشائية مفاهيمية، تتاثث برسائل سريعة ومشفرة بنفس الوقت ومعبأة بطريقة تاويلية تستهدف عدد كبير من المتلقين لاستلام هذه الرؤى وقراءتها وتاويلها، بحيث ان عدد القراءات يصل في كثير من الأحيان الى عدد المتلقين لما تتضمنه هذه الاعمال من طاقات تشفيرية كامنة وبذلك، فهو ينجح تماما في تجسير العلاقة بين المنجز الفني الفنتازي والمتلقي سيما وقد اثر على فنه ان يوظف الهم الإنساني في الوجود والمعرفة كمادة موضوعية تحايث الوجدان الجمعي البشري وهي الغاية الاسمى للفن سيما عندما يطرح متخليا عن السائد ومتمسكا باسلوبية مميزة.
يقدم الفنان علاء بشير في هذا المعرض المؤكد لاسلوبيته مجموعة أعمال تطرح تصوره عن المنقذ و تؤصل التسامح كفعل ايجابي في الحياة، فيذكرنا بالفعل التواضعي الذي قدمه السيد المسيح وهو يعمد إلى غسل اقدام اصحابه لكي يُحيي فيهم الانفس الميتة ويضخ فيها روح التواضع لأن في التواضع غنى وكرامة.
ممثلا المشهد تمثيلا فنتازيا غرائبيا بعين الطائر ومخفيا كل عناصر المشهد ومكتفيا بالأقدام التي تشكل موضوعة الحدث سيما أقدام الخائن الذي يبشره السيد المسيح بأنه يعرف خيانته , يقدمها الفنان علاء بشير في تكوين غرائبي مثير للأعجاب , و أخرى يقدم صورة جسد السيد المسيح على أنه ذلك الرمز الذي حمل الخطايا أو الروح المتسامية التي ترتفع عن الحاجات المادية باتجاه معقولات روحية في عالم سماوي مثله الفنان وجعله يرتقي إليه في كثير من الاعمال ويشكل محور الانشاء التصويري ويقدم الاسوة المادية باعتبار قدرة الإنسان على ذلك الفعل بنفس قدرته على فعل الشر، قدم الفنان هذه الثيمة في عدد من الأعمال التي يجمع بينها انها اشتغلت بالفكرة الطليقة المنفذة فورا بلا تردد , وليدة منطقة التحرر الفكريfreemindالذي يقود إلى الحرية الادائية freehand باعتبار الزخم الكبير من البيانات التي يحظى بها المناخ الثقافي للفنان- الدكتور– الجراح– المنتمي للفن والإنسانية- فيقدم فرشة من نتاج العصف الذهني الابتكاري الجمالي– عن السيد المسيح، مندمجا مع صليبه بكيفية يصعب فكاكهما في عدد من المخططات الأولية بما يفتح الباب للهرمونطيق للانطلاق بأقصى طاقاته لتوليد التأويلات والتحليلات، فإنه يقدمه فنتازيا بجناحين يحلقان به بعيدا عن هذا العالم الأسود الملوث بالخطايا فيما تتساقط الذنوب كالمطر الأبيض الذي يتضح من توظيف هذه.
الفكرة الوجودية
ويختزل الصليب سورياليا في جسد بشري ممكن أن يكون جسد المسيح، أو أي جسد معذب يطوي اليدين ليخفي آثار فعل العدو وممارساته فهو لايريد ان يحمل اعداءه حتى ذنوب مساوئهم، وليبقى شاخصا يدعو إلى نسيان فعل القتل والتدبير، والتفكر بما هو أجمل في دعوة للتغاضي عن الخطأ والمسامحة وهو يقدم هذا العمل في دراسات تخطيطية سوريالية المنحى تبدأ من تحويل صليب مع الجسد البشري، وتنتهي باندماج الصليب بالجسد، الصليب الذي يربط السماء بالأرض في رسوم علاء بشير يعيش سابحا بين سديم المثل العليا وضغط المعطيات الدنيا.
وهو هنا لا ينسى ان ذلك يتطلب وعيا غير متيسر في الظروف العادية، فهو يتألف بالتأكيد من تراكم الأجيال التي صورها تصويرا فنتازيا غرائبيا تتراصف من مقدم العمل باتجاه نقطة المركزية تؤلف صليبا من المعذبين يشرح تاريخ الموت والعذاب الذي عاناه الإنسان بسبب ظلمه لنفسه ولأخيه ولبيئته، علاء بشير اذ يرسم هذا الوجع بمشاهد ترسل خطابات الفزع والاوجاع في التلقي ويقدمه في معرض شخصي يجيب من طرف خفي عن التساؤلات عن نوع مايقدمه الفنان في عصر التواصل مشروطا بالوعي الاحترافي الذي يقرر أهمية حضور السيناريو في العمل المعاصر والذي يقدمه الفنان بتميز ابداعي يصادر فيه مطلوب الثيمة الأساسية لصالح ثيمة جمالية تجمع بين الوجع واللذة وتحاور الجليل من الجمال بالاستناد الى سفر موضوعي عايشه الفنان في رحلته الريادية في طب الجراحة والفن التشكيلي على حد السواء.
في معرضه القادم في لندن بعنوان (المنقذ) يتحفنا الفنان الدكتور علاء بشير بهذه الرؤية الفنتازية السحرية لمقطع من يوتيبيا يتمناها للبشرية ويقدم تصوراته لها من فنان لامع الى الإنسانية.