الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شارع الشيخ عمر.. حكاية بغدادية من حديد وقلوب

بواسطة azzaman

شارع الشيخ عمر.. حكاية بغدادية من حديد وقلوب

وليد الحيالي

 

في قلب بغداد، بين الرصافة والكرخ، يمتد شارع الشيخ عمر كواحد من أهم الشوارع الصناعية وأكثرها حيوية. هو ليس مجرد شارع، بل حكاية متجددة تروي قصة مدينة تكدح وتصنع وتحيا رغم كل ما مرت به.

تاريخ الشارع ومن أسسه

يعود تأسيس الشارع إلى بدايات القرن العشرين، حين اتخذت بلدية بغداد قراراً بإنشاء منطقة حرفية متخصصة لإصلاح العربات، ثم السيارات لاحقًا، مستفيدة من موقع المنطقة القريب من مركز المدينة والأسواق. سُمّي الشارع نسبةً إلى الشيخ الصوفي شهاب الدين عمر السهروردي، المدفون في مسجد وضريح في الجهة القريبة من الشارع، والذي كان مقامه مركز جذب ديني وروحي لأهالي بغداد.مع ازدهار حركة النقل والمواصلات في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، صار الشارع قبلةً لأصحاب الحرف: الميكانيك، الحدادة، السمكرة، التنجيد، النجارة الصناعية… ومع الوقت تحولت ورشاته الصغيرة إلى معالم راسخة في ذاكرة البغداديين.

تحولات وصمود

لم تخلُ العقود الماضية من تغييرات قاسية على الشارع وأهله. فقد عرف ازدهارًا كبيرًا حتى الثمانينات، ثم عانى كباقي بغداد من آثار الحصار والحروب. ورغم الخراب الذي طال بناه التحتية، ظل الشارع حيًّا بورشاته ورواده الذين لا يزالون يأتون إليه من كل أنحاء العراق.

معالم لا تُنسى: باجة الحاتي

ومن بين المحال التي اشتهر بها الشارع، يبرز مطعم باجة الحاتي، الذي صار محطة ثابتة للزبائن والعمال وأصحاب الورش. aroma الباجة يتسلل مع الصباح إلى أنفاس المارة، كأنه جزء من روح المكان. كثيرون كانوا يأتون للشارع خصيصًا لتناول وجبة الباجة الدسمة، قبل أن ينغمسوا في يوم طويل من العمل.

 

أشهر الأسطوات: وجوه لا تغيب عن الذاكرة

وراء صوت المطارق ورائحة الزيت، عاش في هذا الشارع رجال صنعوا أسماءهم وأسماء عائلاتهم على جدران ورشاتهم. بعض هؤلاء لم يكونوا مجرد صنّاع، بل معلمين وأعمدة في مجتمع بغداد الحرفي.

الأسطة محمد الدايني: شيخ المكائن الثقيلة

ورشته في منتصف الشارع كانت قبلة شاحنات “الماز” و”الكراز” القادمة من كل العراق. يده تعرف أسرار الطرمبات والديزل بلا مخططات ولا أجهزة. كان يقسم أن الصنعة أمانة وأن الزبون قبل الفلوس.الأسطة عباس الحديدي: فنان الهياكل إذا كانت السيارة قد تحولت إلى خردة، فأنت بحاجة إلى عباس الحديدي. يحيي الحديد من جديد، ويعيد الشكل كما كان، حتى قال عنه الناس إنه “النحات البغدادي”.

الأسطة كريم الفيلّي: مفتاح الديزل

بابتسامته ولهجته الفيلية الجميلة، كان كريم أسرع من يشخّص الأعطال ويصلحها. ورشته كانت مدرسة يتخرج فيها الكثير من الصبيان الذين صاروا اليوم أسطوات بدورهم.

الأسطة جاسم الركابي: شيخ المقاعد

كان الزبائن يأتون إليه خصيصًا من أجل تنجيد المقاعد بأجود ما يمكن. كان يردد دائمًا: «السيارة من غير مقعد مريح مثل بيت من غير وسادة».

الأسطة شاكر الكرادي: طيب القلب وصديق الغريبورشته كانت ملاذًا لكل وافد جديد إلى بغداد.

 علّم الكثيرين الصنعة وأطعم من جاءه جائعًا، حتى أصبح أبًا روحياً للكثير من الشباب الذين عملوا في الشارع.

خاتمة وجدانية

هكذا يظل شارع الشيخ عمر حياً، رغم ما مر به من ويلات. يظل نبضًا صناعياً في قلب بغداد، يحكي عن رجال عشقوا مهنتهم، وصاغوا من عرق جبينهم تاريخاً لا يمحوه الزمن.

رحم الله من رحل من هؤلاء الأسطوات، وأطال الله في أعمار الباقين ليبقوا قدوة للأجيال المقبلة.

 فالحرفة شرف، والشارع مدرسة، وبغداد وفية لأبنائها الذين يعطونها بلا حساب.

 


مشاهدات 143
الكاتب وليد الحيالي
أضيف 2025/07/19 - 12:45 AM
آخر تحديث 2025/07/21 - 4:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 119 الشهر 13291 الكلي 11166903
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير