حيدر كجب
وجيه عباس
كان (نص ردن) و(نص إستاو) كما تقول أحفوريات أمن مديرية النجف التي عثر عليها أصحاب الخط الساخن، كان مصابا بحب حرف الثاء من طرف واحد من لسانه!، لكن حبه المرعب لمادة الكجب الحار جعلته مدمناً لشرب هذه المادة الغذائية وكأنه يشرب الدارسين!!.
مقاهي قضاء الكوفة في الثمانينات تعوّدت على دشداشته البازة التي تذكرك بحملات الطهور الجماعية!، كان خبيراً في كيفية طيران الفيلة وطبخ طعام الديناصورات، كان حيدر كجب إذاعة متنقلة للأسرار التي تتجاوز الستين شخصاً، سمع ذات صباح أركوازي(شنو الاركوازي؟) أن الرئيس القائد المهيب الطرن صدام حسين قد تعرض للإغتيال وتم التحفظ على جثته في معهد الطب العدلي حتى لاتحدث انقلابات بعثية كما فهمها حيدوري بعد جلوسه على البُطِلْ!، يومها تفاجأ جميع رواد (مقهى الدفان السياحي) بـ (حيدر كجب) وهو يلبس (قاط ورباط وحذاء جديداً وجواريب مخططة (ليش مخططة ماأدري!)، لم يعرف حتى الآن سبب اختياره اللون الكركمي للقاط واختيار اللون الأخضر للقميص، وحين سألوه عن سبب (كشخته) قال أن هناك واجباً شرعياً يستوجب القيام به إبراءاً للذمة (كم قال حينها)!.
وقف حيدر كجب أمام موظف الاستعلامات في مديرية أمن النجف:
-الثلام عليكم...وعليكم السلام.....ارد أثوف مدير الأمن لثغل ثروري يهم الأمن الداخلي للناث....يعني اخي ماتكَدر تكَول شنو الشغل وآني أنقله للسيد المدير؟...أخوية المثألة مثألة حياة وموت وانته تريد تضيّع وقتي...
خمس دقائق وحيدر أبو الكجب يجلس مع مدير أمن النجف على قنفة واحدة مثل رفيقين حزبيين، كانت الغرفة مملوءة بالاضابير وشعارات الحزب وصورة الرفيق القائد الضريبة أمام عيون حيدر كجب:
-تفضل أخي شنو القضية؟
أجاب حيدر كجب على السؤال بسؤال آخر وهو يشير الى صورة صدام حسين:
-أكَول ثيّدي...ولو انتو أمن بث احنه هم اخوتكم... وآني جاي عليك بثغلة مهمة خافوا منهه الزلم واجيتك بدل عنهم!.
-اي تفضل
-ثيدي ..إثوكت تدفنون العينتين؟...وأشار بيده اليمنى الى صورة الرئيس القائد باستهزاء.
أجابه مدير الأمن: ياعينتين؟
-ثدام العينتين مالتكم إثوكت تدفنوه؟ ادري غير إنْثوّيله تثييع جبير يليق بيه ونوزّع بطالة مال كجب حار على روحه... الله يرحمه للرفيق المؤثث!؟ معقوله راح تدفنوه بدون واحد إيْغثْله؟ جيبوه النه خاطر نغثله وندفنه ونهوّث فوكَـ كَبره: الله إيخلي الريّث الله إيطوّل عمره....ادري هوه غير الريّث مالتنه وإحنه الشعب مالته؟
-ابوية انته هذا الحجي منين جبته؟
امن النجف
-ثيّدي من الكَهوة مال الدفان السياحي إلي يكَعد بيهه بلاسم محمد ومؤيد محثن ومهدي حسين وعبد الرحيم ياثر...كلهم يكَولون العينتين إثتعلت لثته (يقصد لشته).
خلال عشر دقائق،تم إخلاء المنطقة المحيطة بالمقهى من أي شخص يتم الاشتباه بانتمائه إلى تنظيم حيدر كجب،خرجت سيارات مديرية أمن النجف لنقل الركاب مجاناً الى سجن مديرية الأمن للتحقيق في وجود نية لدى مرتادي المقهى بقتل السيد الرئيس!.
دخل الرفيق حيدر كجب الى زنزانته بعد ان حول منتسبو المديرية قاطه ورباطه الى ممسحة ينام هو بداخلها، سحله الرفاق في مديرية أمن النجف ليعدّ قطع (الكاشي) خشية أن يكون المقاول النجفي قد سرق بعضها خلال عملية تبليط الأرضية، كانوا يسحلونه وكأنه (نص جيس تمن عنبر)، وكأن أحدهم يريد أن يتقدم لشغل منصب (عامل نظافة) في بلدية النجف،لم تبق زاوية من المديرية لم يمر جسد (حيدوري) عليها، لهذا حين نام قرب بلاسم محمد في زنزانته الشبيهة بجحر القائد الضرورة، كان وجهه الملاصق يبعث انغاما من الشخير لم تمر ببال سجين سياسي قضى حياته في فنلندا وعاد الى العراق ليحصل على قطعة ارض ومسحاة!.
خلال دقيقة واحدة، تم إخراج حيدر كجب الى قاعة التحقيق، بعد ربع ساعة فوجيء الجميع بحيدر يتوجه مباشرة الى(تنكة) كان الموقوفون يجلسون عليها وكأنه مرافق صحية غربية، قلب حيدر التنكة وصعد وسط دهشة الموقوفين وهتف عاليا:
-يعيث الثيّد الرئيث القائد المهيب صدام حسين...يا ...التفت على النائمين الذين رددوا وهم في وضع الانسداح وبدأوا بالصراخ ورفع الأيادي وكأنهم أطفال الحجارة:
-يعيش...
هو يصيح:
يا...
.وهم يصيحون :يعيش.... حتى امتلأ الموقف بالضجيج، دخل النشامى افراد مديرية الامن وأدخلوا الجميع في عالم الصوندات، يتذكر بلاسم حين اراد ان ينام (بعد أن أكل المقسوم) أنه قال لحيدر كجب:
-هسه مو إنته جنت محترم نفسك...يعني الا تصير لوكَي وتهتف؟ شوف انته شبعت صوندات وجلاليق على الوجه وإحنه إنلعب بحيثيتنه لعب... ليش هيجي...احترم نفسك ابن النعال:
اجابه حيدر وكأنه الناطق عن قائمة مقهى الدفان السياحي:
-وعيونك همه كَالولي اهتف خاطر نشوف منو عنده ولاء للحزب والثورة.
يتذكر بلاسم أحدهم حين أصيب بالإسهال بعد حادثة لوكربي وكيف انه صرخ بالحرس ان لديه اعتراف ويريد ان يريح! ضميره، أخرجوه بسرعة الى الضابط فقال لهم: أريد قبل هذا ان ادخل الى المرافق الصحية، بعد ان خرج وشرب الشاي واللبن ودخّن (جكارة بغداد)، سأله الضابط: تفضل شنو إعترافك؟ قال له :والله سيدي ماعندي إعتراف بس اني مصاب بالإسهال وماعرفت شلون يطلعوني الا بهاي الطريقة[ارجو عدم سؤالي عن طريقة الرد بالتواثي التي تلقاها بعد الحادثة لكنه حتى الآن فاقد لذاكرة التذوق والشم]!.
بعد ثمانية أشهر،خرج الجميع لأقتناع مديرية أمن النجف أن (حيدر كجب) مسودن رسمي، وكيف ان الجميع اتفقوا على قول واحد انهم كانوا في سفرة سياحية الى(فيينا) والرقص بشكل جماعي على انغام اسمهان (ليالي الأنس) وكيف أن دشاديشهم البيضاء تحولت الى سوداء ووصلت حد التيبّس، وكيف ان الحزب والثورة اعطتهم مصروف جيب لمدة ثمانية أشهر قبل أن تعيدهم من المنفى الذي يبعد عن دورهم ربع ساعة زحف وساعتين بالسيارة.
آخر مايتذكره بلاسم محمد عن حيدر كجب هو صياح شقيقه (صالح ابو الصاص) الذي يقلب (الراء إلى غين) من وراء أسوار السجن وهو يقول له:
لاتخاف حيدوغي غاح أخليلك محامي بخمسمية ديناغ!.-
أجابه حيدر من وراء القضبان:
-خوية ثالح مايفيد لان جريمتي ثياثية!!.