الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العباءة أولاً والبنية التحتية لاحقاً

بواسطة azzaman

العباءة أولاً والبنية التحتية لاحقاً

محمد رسن

 

بينما أتنقل بين أخبار هذه البلاد والعباد، غارقاً في بحر من اللاجدوى، اعترض طريقي هذا الخبر الجليل، وكأنما جاء ليضيف عبثاً إلى العبث. بناءً على طلب الست هدى جليل رئيس لجنة البيئة في مجلس محافظة بغداد: مجلس المحافظة يقرر اعتماد (العباءة الزينبية) زياً رسمياً في بغداد. لو كانت هنالك حكومة تحترم نفسها وشعبها، لكان من المنتظر من مجلس محافظة بغداد ان يخرج بقرارات تعالج أزمة النفايات المتراكمة، وتردي واقع الصرف الصحي، وتلوث الهواء والماء، لكن المجلس اختار أن ينشغل بالقماش بدل الأسفلت، وباللباس بدل البنية التحتية، القرار الجديد الذي تم التصويت عليه باقتراح من رئيسة لجنة البيئة، لا يمت بصلة لا للبيئة ولا لهموم العاصمة، بل ينتمي إلى دائرة استعراض الفضيلة الشكلية وتكريس ثقافة المظهر على حساب الجوهر. فالعباءة التي أعلن عنها كـ»زي رسمي» ليست حلاً لأي أزمة حقيقية، ولا تحمل قيمة مضافة لموظف يعاني من استقطاعات من الرواتب، أو مواطن يطارد معاملة بين أروقة الدوائر المتهالكة، الحديث عن «العباءة الزينبية» كرمز للعفة والهيبة، رغم الاحترام لمكانتها في الوجدان الشعبي والديني، لا يبرر تحويلها إلى سياسة إدارة عامة. فالعفة لا تفرض بقرارات إدارية، والهيبة لا تأتي من القماش، بل من احترام القانون، والنزاهة، والكفاءة، والعمل على تحسين حياة المواطنين. ما يحدث اليوم هو تكريس لشكل من أشكال الترييف الإداري والشعبوية الأخلاقية، حيث تُهمل القضايا الجوهرية ويتم تعويض الفشل بسياسات رمزية تتسوق تحت لافتة القيم، والنتيجة عباءة على الجسد، وفساد في الإدارة، وفوضى في كل مفاصل الحكومة. لقد أصبحت العاصمة اليوم ساحة لتجريب كل ما هو ثانوي، وتجاهل كل ما هو ضروري. وبينما المواطن يبحث عن ماء صالح للشرب، وكهرباء لا تنقطع، ووظيفة لا تُشترى بالوساطة، تتسابق المجالس المحلية لتثبت «طهارتها» بقرارات لا تمس سوى سطح الواقع، وتترك العمق غارقاً بالإهمال. الهيبة الحقيقية للدولة لا تخاط بالخيط والإبرة، بل تُبنى بالإصلاح والعدالة والإرادة السياسية الجادة.. على الدولة أن توجه جهدها لما ينفع المواطن، لا لما يُرضي ذوق السلطة.. الأولوية يجب أن تكون لمكافحة الفساد، وتحسين الخدمات، وإصلاح التعليم والصحة، لا خياطة القرارات على مقاس الأهواء.. ثقة الناس تُبنى بماء يصل، ودواء يُصرف، وعدل يُطبق، لا بثوب يُفرض.. الدولة لا تُقاس بعفتها الرمزية، بل بقدرتها على رعاية مواطنيها بعدل وكفاءة.. أما من ينشغل بالقشور، فسينهار حين يأتي أوّل اختبار حقيقي.


مشاهدات 179
الكاتب محمد رسن
أضيف 2025/06/10 - 12:49 PM
آخر تحديث 2025/07/02 - 9:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 120 الشهر 1352 الكلي 11154964
الوقت الآن
الخميس 2025/7/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير