الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دولمة بالذكاء الإصطناعي

بواسطة azzaman

دولمة بالذكاء الإصطناعي

علي حجارة

 

يؤمن أبناء جلدتنا ( من وجهة نظر مسحوقة بالاستسلام التام ) بأن التقدم الحضــــاري هــــو خاصيــــــــة الدول ( العظمى ) و نتاجها المُتّبع إن شئنا الدقة، فالمناهج الدراسية والعلوم التطبيقية والأدوات الصناعية، واللغة الهجينة ما بين عربية خجولة وإنجليزية تدّعي الرُقي، هي في جملتها المادة التي نستقبلها بوصفنا وعاءً لما سبق... هل من جديد فيما أقول ؟، لا بالطبع !!، كل ما ورد آنفًا يأتي ضمن عجلة عنيفة في حركتها يدعونها بعجلة التقدم تحاول سحق ما يمكن سحقه وتغيير ما يمكن تغييره بداعي الربح السريع، ونحن نتبع هذه العجلة الصناعية الكبرى إن لم نكن المادة التي تُسحق تحت ضراوتها.

من إرهاصات هذه العجلة ( التقدمية ) بعد الثورة الحاسوبية ومن بعدها ثورة التواصل الاجتماعي، ينبثق الذكاء الاصطناعي بوصفه الحدث التكنلوجي الأبرز منذ عامين تقريبًا، وهو ليس بجديد من ناحية فحواه إلا أن تنوع استخدامه الحديث وإتاحته للعامة بصورة أبسط ( كما في جات جي بي تي Chat GPT أو لاحقًا عند جيميناي Gemini أو بعدها ديب سييك Deep seek ) أحدث هزة عنيفة في بعض الشركات التي بدأت تنازلها عن العنصر البشري في بعض أقسامها واكتفائها بما يسهله الذكاء الاصطناعي عِبر أدوات متاحة، لاسيما في الجانب الإبداعي المعني بالكتابة والتصميم ونقل البيانات وجمعها أو إعادة هيكلتها بصورة جديدة عدا الإجابات السريعة في كل ما يخطر على بالك، لتتحول الهزة آنفة الذكر إلى زلزال قيمي يضرب مفاهيم الإبداع وأحقية اعتماد المصدر، فتبدأ الجامعات باستقطاب برامج كشف الاستعانة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في البحوث، ولتبدأ الحكومات بانتهاج شكل جديد للتعامل مع هذه الثورة بتهيئة البنى التحتية للحصول على الرقاقات اللازمة لدعم برامج ذكائها الاصطناعي المُقنن .

عصر جديد

كما في أمريكا والصين وفرنسا، ومن بعد ذلك توالت نوادر استخدامه التي تهيئ فكرة عصر جديد يعتمد في مجمله على الآلة والخوارزميات مفتوحة المصدر، فتفاجأ العالم الأدبي (مثلًا ) باعتــراف الكاتبة اليابانية (ري كودان ) بأن 5 بالمئة من روايتها الفائزة بجائزة كوتاغاوا عن أفضل عمل روائي لكاتب جديد قد كُتبت بواسطة الذكاء الاصطناعي، ومن قبل ذلك انسحب المصوّر الفوتوغرافي المقيم في برلين، ( بوريس إلداغسن )، من جوائز سوني العالمية للتصوير الفوتوغرافي بعدما كشف عن أن مشاركته الفائزة في فئة الصور الإبداعية أُنتجت باستخدام هذه التقنية !، بل تعدى الأمر لأن يُكشف بعد ذلك أن واحدًا من أشهر الكتب الفلسفية مبيعًا في أوروبا والمعنون بـ ( الهيبنوقراطية: ترامب، ماسك وهندسة الواقع ) قد أُنتج كليًا من كاتب وهمي اتضح بعد ذلك بأنه ليس سوى دمج بين نموذجي ذكاء اصطناعي حاولا تحليل خطابات ترامب وأن اسم الكاتب لم يكن سوى اسم مستعار لعملٍ خلقه وحرّره المفكّر الإيطالي أندريا كولاميديشي .

لم يقف الأمر عند هذا الحد فمع تصاعد سعار استخدام الذكاء الاصطناعي مطلع هذه السنة، بدا أن آفاق استخدامه بدأت تكتسب صفة غير المحدودية بتغلغله في القطاعات المصرفية العالمية وتحكمه في أنظمة القيادة للسيارات ذاتية القيادة.

واتخاذ بعض أهم القرارات القائمة على التحليلات في مجال التعليم والصحة، مع تهيئة الظروف الافتراضية التي بدأت شركات مثل ( ميتا Meta ، و أوبن أي آي Open AI  ) بانتهاجها في منتجاتها وتطبيقاتها التي تعتمد الواقع المعزز، ومن المتوقع أن يستمر هذا السباق إلى أمد بعيد يمثل هوية المرحلة للإنسان المعاصر بدليل دخوله إلى الجانب المظلم للاستخدام البشري وليس المشرق منه فقط، فكلما كان الموضوع أكثر شمولية كان أقرب في تمثيله للهـــــــــــوية البشرية، خذ مثلًا اعتماد أغلب الدول المتقدمة عســــــــــــكريًا لمسيَّراتها الحربية على الذكاء الاصـــــــــــــــطناعي، في هذا السياق يكفي النظر إلى الكيفية التي استخدم فــــــــــيها الكيان الصهيوني الذكاء الاصطناعي في حربه على غزة للتأكد من أن هذا التطويع للوعي التكنلوجي ليس فيه أي مبالغة.

ذكاء اصطناعي

خُذ ما أسلفنا ذكره في كفة وضع ما سنقوله الآن في كفة أخرى ولنعد إلى أبناء جلدتنا وما بدأنا به الحديث، فما دام الاستخدام المتنوع للذكاء الاصطناعي هو سمة المرحلة، فإن مقاطع الفيديو المعدة به وهي تجمع أشخاصًا لتقبيل بعضهم البعض دون أن يلتقوا يومًا على أرض الواقع!، أو إعادة تصوير الأشخاص بهيئة كارتونية أو استخدام فلاتر الوجه لأقصى طاقاتها، أو كتابة بحوث التخرج المباعة قرب الجامعات لأشخاص لا ضمن الاختصاص أو المعرفة السطحية بأدنى مقومات الرصانة، كان هذا هو السمة الغالبة على استخدام هذا الوعي الخطير للآلة !، فبينما العالم يتجسس على طبيعة مراسلاتنا اللغوية ويحلل تعاملاتنا المالية ويهيئ مستقبلنا عبر الذكاء الاصطناعي في غفلةٍ منا، نهيم على تركيب الصور ومحاكاتها كي نصنع نكتة تغطي عجزنا أمام آلتهم التي تسحق كل شيء أمامها بداعي العولمة، ولنكتفي بعد كل هذا التصادم الدولي على سبق الصدارة في هذا المجال بمحاولة جر الماضي إلى الحاضر ( كعادتنا ) من جديد فتنطلق صور كلكامش أو أحد ملوك بابل المُحركة بألوان زاهية، ولنجمع رياض أحمد بأم كلثوم في لقاء افتراضي، أو أن نسمع أغنية لعبد الحليم بصوت تامر حسني، وهكذا دوليك.. ننتظر الآن من شعوبنا وصفات جديدة لأكلاتنا الشهيرة مُـــــــــــعدة بالذكاء الاصطناعي، ماذا عن السمك المسكَوف بوصــــــــــــــــفة الرمان والأفوكادو، وماذا عن حشوة الدولمة المُعدة بالبرغل والأناناس بدل الرز .. لاتســــــــــــتغرب يا قارئي هذا حالنا، إما اجترار الماضي أو جر المستقبل كي يغرق في رغباتنا ...

ملاحظة/ لم يُكتب هذا المقال بأيٍ من أدوات الذكاء الاصطناعي أو أحد تطبيقاته !.


مشاهدات 28
الكاتب علي حجارة
أضيف 2025/04/28 - 4:42 PM
آخر تحديث 2025/04/29 - 7:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 458 الشهر 31385 الكلي 10912032
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/4/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير