منظومة تعليمية هشة

 هل يكرس القرار الجديد ثقافة التراخي؟

محمد الربيعي

قرار وزارة التربية الاخير بالسماح الشامل للطلبة بدخول الامتحانات الوزارية يمثل كارثة تعليمية بكل المقاييس، ويستدعي استنكارا شديدا من كل من يهمه مستقبل التعليم في البلاد. هذا القرار، الذي قد يبدو ظاهريا كخطوة رحيمة تهدف الى تخفيف العبء عن الطلبة، هو في حقيقته طعنة في قلب العملية التعليمية، وتنازل خطير عن معايير الجودة التي يجب ان تكون حجر الاساس لاي نظام تعليمي.

ان هذا الاجراء لا يعكس سوى رؤية سطحية وقاصرة لطبيعة التعليم، حيث يتم اختزال رحلة التعلم الطويلة والشاقة في محطة الامتحان الوزاري النهائية. اي رسالة نوجهها للطلبة عندما نلغي اهمية الحضور والمشاركة والتقييم المستمر؟ اننا بذلك نكرس ثقافة التراخي والاتكالية، ونقوض قيم الاجتهاد والمسؤولية التي يجب ان تكون جوهر العملية التعليمية.

هذا القرار لا يخدم سوى المصالح السياسية الضيقة، وربما جاء كخطوة استباقية لكسب رضا الشارع قبيل الانتخابات. لكنه في الواقع يهدد مستقبل اجيال بأكملها، ويؤسس لنظام تعليمي هش لا يمكنه مواجهة تحديات العصر. ان السماح الشامل بدخول الامتحانات لا يعكس سوى فشل ذريع في ادارة العملية التعليمية، ويضعف من ثقة المجتمع في النظام التعليمي برمته.

على النقيض، تتبنى الانظمة التعليمية الرائدة في العالم نماذج تقييم شاملة ومتنوعة، تدرك ان التعليم ليس مجرد اجتياز امتحان، بل هو بناء مستمر للمعرفة والمهارات والقيم. اين نحن من هذه النماذج؟ لماذا نصر على السير في طريق يكرس الفشل ويعمق الازمة؟ان معالجة الوضع التعليمي المتردي تتطلب اصلاحات جذرية وشجاعة، تبدا باعادة هيكلة المناهج، وتطوير اليات تقييم عادلة وشفافة، وتاهيل المعلمين بشكل مستمر، وربط التعليم بمتطلبات سوق العمل. اما القرارات السطحية والمجحفة كهذا القرار، فلا مكان لها في اي نظام تعليمي يسعى للنهوض.

ان مستقبل البلاد على المحك، ولا يمكننا ان نسمح بمزيد من التدهور في قطاع التعليم. يجب ان نقف جميعا ضد هذا القرار، ونطالب بسياسات تعليمية تعيد للتعليم هيبته، وتغرس في نفوس الطلبة قيم الاجتهاد والتفوق، لا الاتكالية والتراخي.

 بروفسور متمرس ومستشار تربوي