القضية الكردية في خضم الصراعات الإقليمية
كفاح محمود
تشكل القضية الكردية أحد أبرز التحديات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، إذ ترتبط بتفاعلات معقدة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في ظل الصراعات المستمرة بين إيران والمعارضة الكردية داخلها، وتركيا مع حزب العمال الكردستاني (PKK) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إضافةً إلى التداخل الأمريكي في العراق وسوريا، تبرز كردستان العراق كمحور متأثر بهذه الصراعات وكطرف مؤثر فيها، مع ذلك، فإن التطورات الأخيرة، مثل نداء عبد الله أوجلان والحوار الجاري بين بعض القوى الكردية والحكومة التركية، قد تؤثر على المشهد العام للقضية الكردية.
ورغم أن القضية الكردية في تركيا انحصرت في صراع عسكري تمحور بين الأمن القومي والطموحات الكردية التي رفع شعاراتها حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا تهديدا وجوديا لأمنها القومي، ما يدفعها إلى شن عمليات عسكرية متكررة داخل العراق وسوريا، حيث تعمل أنقرة على تقويض واشغال أي كيان كردي يتمتع بحكم ذاتي خشية انتقال التجربة إلى أكرادها. وما عملياتها العسكرية، مثل “مخلب النسر” و”مخلب السيف”، في استهداف مواقع حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق وفي منطقة شمال شرق سوريا ذات الإدارة الذاتية، الا احدى الوسائل او المصدات لايقاف انتشار تلك الممارسة السياسية، حيث أثرت على استقرار الإقليم، الذي يجد نفسه في موقف حساس بين الحفاظ على علاقاته مع أنقرة وبين تجنب التصعيد مع الفصائل الكردية المسلحة. وعلى الجانب السوري وفي المواجهة مع قسد وحكام دمشق الجدد، ترى تركيا أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يقودها الكرد، امتداد لحزب العمال الكردستاني، وبالتالي تمثل تهديدًا مباشرًا، لذا شنت أنقرة عمليات عسكرية داخل سوريا، مثل “نبع السلام” و”غصن الزيتون”، للحد من نفوذ قسد، في الوقت نفسه، تراقب تركيا تحركات حكام دمشق الجدد، الذين يسعون إلى استعادة السيطرة على شمال سوريا، مما يضع قسد بين مطرقة أنقرة وسندان دمشق.
حركات كردية
وفي إيران وعلاقة نظامها السياسي مع الكرد وقضيتهم فقد تأرجحت بين الاحتواء والاذابة وبين الصراع مع المعارضة الكردية في الداخل وامتد أيضا الى الخارج، خاصة وان إيران تمتلك تاريخًا طويلاً من القمع ضد الحركات الكردية المعارضة، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (PDKI) وحزب (كومله)، حيث تعتبر طهران أن أي تحرك كردي داخلي يمثل تهديدًا لوحدة أراضيها، وقد اتضح ذلك جليا بعد الاحتجاجات التي اندلعت عقب مقتل مهسا أميني، حيث صعّدت طهران عملياتها الأمنية والعسكرية ضد الكرد، بما في ذلك القصف المدفعي والجوي على معاقلهم في كردستان العراق.
أن التنافس التركي الإيراني في الساحة الكردية رغم العداء المشترك لحزب العمال الكردستاني، واضح جدا في إدارة الملف الكردي، حيث تدعم طهران بعض الفصائل الكردية داخل سوريا، مستغلةً وجودها العسكري لتعزيز نفوذها، كما تحاول التأثير على سياسات إقليم كردستان العراق عبر الأحزاب الكردية المختلفة، مثل الاتحاد الوطني الكردستاني القريب منها.
نداء عبد الله أوجلان هل يتغير المعادلة؟
في تطور لافت، وجّه عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا، مؤخرًا نداءً يطالب فيه بإحياء مسار السلام بين الكرد وأنقرة، داعيًا إلى إنهاء العنف والدخول في مفاوضات جديدة، هذا النداء يأتي في وقت تشهد فيه الساحة السياسية التركية تحولات، خاصة بعد الانتخابات الأخيرة التي أضعفت موقف حزب العدالة والتنمية الحاكم، مما قد يدفعه إلى البحث عن حلول سياسية للقضية الكردية بدلاً من المواجهة العسكرية المستمرة.
في هذا السياق، يجري حديث متزايد عن مفاوضات غير معلنة بين مسؤولين أتراك وبعض الشخصيات الكردية لمحاولة التوصل إلى تفاهمات، رغم أن الحكومة التركية لم تصدر موقفًا رسميًا واضحًا، إلا أن هذه التطورات قد تؤدي إلى تغييرات في نهج أنقرة تجاه المسألة الكردية، سواء داخل تركيا أو في شمال سوريا، حيث تلعب قوات سوريا الديمقراطية دورًا مهمًا في أي معادلة سياسية مستقبلية.
مدى تأثير هذا النداء على الوضع الكردي في تركيا وسوريا
• في تركيا، قد يؤدي أي انفراج في المفاوضات إلى تهدئة الصراع مع حزب العمال الكردستاني، مما قد ينعكس إيجابيًا على الكرد سياسيًا واقتصاديًا.
• في سوريا، أي تقارب تركي-كردي قد يعيد رسم خريطة التحالفات، خصوصًا إذا انخفض الضغط التركي على قسد، مما قد يفتح الباب أمام ترتيبات جديدة مع دمشق أو واشنطن.
موقف امريكي
• مع ذلك، فإن إيران والنظام السوري قد لا يكونان متحمسين لأي تقارب كردي-تركي، إذ يخشى كل منهما من أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الموقف الكردي بشكل قد يضر بمصالحهما الاستراتيجية.
التحالف الأمريكي-الكردي: دعم استراتيجي مع قيود سياسية
رغم تذبذب الموقف الأمريكي بين الإدارات المختلفة، لا تزال واشنطن ترى في الكرد حليفًا مهمًا في محاربة الإرهاب، خصوصًا في سوريا والعراق، حيث دعمت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية في مواجهة داعش، لكنها في الوقت نفسه تحاول موازنة علاقاتها مع تركيا، وكذا في العراق، تستمر واشنطن في تقديم الدعم الأمني لكردستان، لكنها لا تدعم بشكل واضح الاستقلال الكردي، خوفًا من زعزعة الاستقرار الإقليمي.
وفي خضم ذلك يجد إقليم كردستان العراق نفسه في وضع صعب نتيجة هذه الصراعات، فالضغوط التركية لمنع نشاط حزب العمال الكردستاني تؤدي إلى عمليات عسكرية داخل الإقليم، بينما تستهدف إيران المعارضة الكردية، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار اقتصاديًا، حيث يعتمد الإقليم على تصدير النفط عبر تركيا، ما يجعله رهينة للتوترات بين أنقرة وبغداد.
ورغم التحديات، يحاول الإقليم لعب دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة؛
إذ يعمل على تحقيق توازن في علاقاته مع أنقرة وطهران وواشنطن، كما يسعى إلى تعزيز دوره كلاعب إقليمي يمكنه التوسط في النزاعات، لكن الانقسامات السياسية الداخلية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني قد تترك أثرا سلبيا في اضعاف هذا الدور.
وختاما فأن مستقبل القضية الكردية في ظل الصراعات الإقليمية ستظل عنصرًا رئيسيًا في ديناميكيات الشرق الأوسط، مع استمرار محاولات تركيا وإيران وسوريا للسيطرة على الطموحات الكردية، ومع ذلك، فإن نداء عبد الله أوجلان والمفاوضات الجارية قد تمثل فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي الكردي، سواء داخل تركيا أو في سوريا.
يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه الجهود في خلق مسار جديد للحل، أم أن المصالح الإقليمية ســــــتبقي الوضع على ما هو عليه؟-